الدرس 9: تنمية التجارة الخارجية بالبلاد التونسيّة

المقدمة:

منذ إمضاء البلاد التونسية على اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سنة 1995 وانضمامها إلى منظمة التجارة العالمية شهدت مبادلاتها الخارجية نموا سريعا. فما هي الجهود التي بذلتها الدولة التونسية لتطوير البنية الأساسية قصد التشجيع على التصدير؟ وما هي تركيبة المبادلات الخارجية والأطراف التي تتعامل معها البلاد التونسية؟

I- تطوير البنية الأساسية والتشجيع على التصدير:

1. تطوير البنية الأساسية:


خريطة البنية الأساسيّة للبلاد التونسيّة

- وضعت الدولة التونسية منذ الثمانينات مخططا لشبكة من الطرقات السيارة أهمها الطريق السيارة (المغاربية) التي تربط العاصمة بمعبر راس جدير وقد أنجز منها 400 كم وصلت إلى مدينة قابس وتتفرع هذه الطريق في الشمال نحو بنزرت وفي الغرب نحو الحدود الجزائرية انطلاقا من العاصمة وقد تم انجاز الجزء الذي يربط العاصمة ببوسالم في انتظار إكمال بقية المشروع. ويتم حاليا التخطيط لانجاز طريق سيارة تربط العاصمة بمدينة جلمة شمال ولاية سيدي بوزيد عبر زغوان والقيروان.

- كما تملك البلاد التونسية شبكة من الطرقات المعبدة تربط بين المدن الهامة (الساحلية والداخلية) والعاصمة كما تربط البلاد التونسية بليبيا والجزائر.

- أما شبكة السكك الحديدية فأغلبها موروث من العهد الاستعماري باستثناء الخط الذي يربط قابس ببن قردان وهي شبكة مخصصة لنقل الأشخاص والبضائع والمواد الأولية.

- كما تملك البلاد التونسية شبكة هامة من أنابيب نقل المحروقات من مناطق استخراجها نحو ميناء الصخيرة دون اعتبار أنبوب الغاز الجزائري الذي يعبر التراب التونسي في اتجاه إيطاليا.

- أما شبكة المياه الصالحة للشرب فهي تنقل مياه الشمال نحو المدن الهامة للوسط وصولا إلى صفاقس التي تتزود كذلك بقناة من مياه القصرين.

تركز شبكات النقل بمختلف أصنافها على الساحل الشرقي للبلاد التونسية.

2. تأهيل النقل البحري:

- يلعب النقل البحري دورا أساسيا في النسيج الاقتصادي للدولة التونسية حيث تمر عبره 98 % من مبادلاتها الخارجية. ولمزيد دعم هذا الدور ومواكبة التطورات العالمية وضعت الدولة مخططا يقضي بتأهيل نشاط الموانئ التجارية من خلال تطوير الإطار التشريعي الذي مكن من إعادة هيكلته ودعم الاستثمار فيه وتنويع خدماته والتحكم في كلفته وخاصة احكام التنسيق بين الأطراف المتدخلة فيه.

- وإذا ما استثنينا ميناء حلق الوادي الذي يجمع بين نقل المسافرين ونقل البضائع فإن بقية الموانئ إما تختص في نقل مواد معينة مثل مواني بنزرت والصخيرة وقابس أو مواد متنوعة مثل مواني رادس وسوسة وصفاقس وجرجيس. ونادرا ما تستقبل هذه المواني المسافرين.

- وتحتل موانئ العاصمة حلق الوادي وخاصة ميناء رادس مكانة هامة على مستوى عدد البواخر التي ترتادهما وكمية المبادلات التجارية حيث يحتكر ربع المبادلات البحرية يليه ميناء بنزرت الذي تتحقق من خلاله خمس المبادلات والتي أغلبها من النفط وغير بعيد عنه نجد مينائي صفاقس وقابس.

- وأمام معاناة الموانئ التونسية من عديد المشاكل التي تنفّر المستثمرين قررت الدّولة اتخاذ عدة اجراءات من شأنها ان تحسن الأوضاع في أفق 2040.

3. تأهيل النقل الجوي:

- تهدف الدولة التونسية من خلال عنايتها بالنقل الجوي تطوير النقل الجوي الدولي وتكثيف الربط الجوي بأغلب منطق العالم وقد حرصت على ملاءمة المحيط المؤسساتي والتشريعي مع المتطلبات الدولية في مجال السلامة الجوية إلى جانب التشجيع على الاستثمار الخاص في قطاع الطيران المدني وقد تعددت شركات النقل الجوي الخاصة مثل الطيران الجديد والخطوط التونسية السريعة...

- وقد تأثر قطاع النقل الجوي كثيرا خلال جائحة كورونا حيث تراجع نشاطه إلى الثلث بالنسبة لنقل المسافرين أما بالنسبة لنقل البضائع فقد كان تراجعه محدودا. ومع انطلاق سنة 2022 بدأ قطاع النقل الجوي يسترجع عافيته سواء كان عموميا أو خاصا أو أجنبيا وقد ازدادت الوضعية تحسنا خلال السنة الموالية.

4. توفير المدخلات الفلاحية ووسائل الانتاج:

- تم في أفريل 1997 احداث المجلس الأعلى للتصدير الذي اتخذ عدة اجراءات لتنمية الصادرات أهمها:

  • • تعميم الامتيازات الممنوحة لعملية التصدير أيا كانت صفة المصدر.
  • • حذف معاليم الخدمات الجمركية في مجال التصدير.

- كما حظي صندوق النهوض بالصادرات بإجراءات جديدة تمكنه من توسيع تدخلاته لتحقيق أهدافه:

  • • التمديد في مجال تدخل الصندوق إلى وظيفة التصدير في صلب المؤسسة وإلى انتصابها التجاري في الخارج وحصولها على التكنولوجيات الجديدة للمعلومات.
  • • تكوين الإطارات والأعوان المختصين في التجارة الدولية وعمليات الإشهار.

- تم في أفريل 1997 إحداث صندوق ضمان مخاطر التصدير ليتكفل بإعادة تأمين المخاطر التجارية وغير التجارية ذات الصلة بالصادرات والتي تمثل فائدة أساسية للاقتصاد الوطني.

- كما تم اتخاذ حوافز جبائية جديدة هامة تتمثل في:

  • • طرح المداخيل والأرباح المتأتية من عمليات التصدير من أساس الأداء على الأشخاص والأداء على الشركات طيلة السنوات العشر الأولى من النشاط. وبعد هذه الفترة يتم طرح 50 % منها.
  • • طرح المداخيل والأرباح التي يعاد استثمارها في المؤسسات والمشاريع الأخرى المقامة في الخارج قصد تسويق السلع والخدمات التونسية فقط.

اتخاذ الدولة منذ نهاية القرن العشرين عدة اجراءات من شأنها أن تساهم بقوة في تنمية الصادرات.

II- تركيبة التجارة الخارجية للبلاد التونسية والأطراف المتعاملة معها:

1. تفاقم العجز التجاري للبلاد التونسية خلال العشرية الأخيرة:

- تضاعفت قيمة الصادرات التونسية بنسبة 123 % بين سنة 2013 وسنة 2023 فقد مرت قيمتها من 27.7 مليار دينار إلى 62 مليار دينار.

- في حين تضاعفت قيمة الواردات مرة واحدة من 39.5 مليار دينار إلى 79.1 مليار دينار في نفس الفترة.

تفاقم عجز الميزان التجاري للبلاد التونسية بنسبة 44.9 % من 11.8 مليار دينار إلى 17.1 مليار دينار في نفس الفترة.

- رغم تفاقم عجز الميزان التجاري إلا أن نسبة التغطية قد ارتفعت من 70 % سنة 2013 إلى 78 % سنة 2023 وهو ما يعني الارتفاع المتزامن لقيمة كل من الصادرات والواردات مع نسق أسرع للصادرات.

2. المكونات الأساسية للواردات والصادرات التونسية:

- تتصدر المواد المصنّعة واردات البلاد التونسية وصادراتها بنسبة تتراوح بين 68 و74 % مع العلم أن النسبة الأعلى هي للواردات التونسية.

- أما الصنف الثاني من المواد التي يتم تبادلها فهي المواد الطاقية والمواد المنجمية بنسب تتراوح بين 17 و20 % مع تفوق طفيف لفائدة الصادرات.

- وتحتل المواد الفلاحية والغذائية المرتبة الثالثة بنسب تتراوح بين 9 و 13 % لفائدة الصادرات وهذا يعني أن الميزان الفلاحي والغذائي التونسي فائض رغم النقص الذي يسجل أحيانا لبعض المنتوجات الغذائية.

3. أهم أطراف التبادل التجاري مع البلاد التونسية:

- كان الإتحاد الأوروبي ولا زال يمثل الطرف الرئيسي في المبادلات التجارية التونسية خاصة في التصدير (أكثر من 70 %) الذي يتم في اتجاه فرنسا وإيطاليا وألمانيا أما في التوريد فقد تراجع نصيبه إلى أقل من 50 % حيث تستورد تونس من إيطاليا أكثر مما تستورده من فرنسا.

- أما الطرف الثاني الذي تتعامل معه البلاد التونسية فهو البلدان العربية من المغرب إلى المشرق وتصدر لها أكثر مما تستورد منها بنسبة ضعيفة وعموما تتراوح نسب المبادلات بين 14 و16 %.

- كما تتعامل تونس مع دول أخرى عديدة مثل تركيا التي تستورد منها أكثر مما تصدر لها وهي نفس الوضعية العاجزة مع روسيا وأوكرانيا والصين.

- كما تتعامل تونس بصفة محدودة مع أمريكا الشمالية معاملات متوازنة لكنها تصبح عاجزة مع أمريكا اللاتينية.

- وتبقى مبادلاتها مع إفريقيا جنوب الصحراء ضعيفة جدا رغم أنها سوق واعدة ومربحة للتونسيين.

4. أهم الصعوبات التي تواجهها التجارة الخارجية التونسية:

- ارتباط المبادلات الخارجية بالعملة الصعبة من أورو أو دولار وهو ما يجعل البنوك التونسية وخاصة منها البنك المركزي في حالة استنفار دائم للحفاظ على الموازنات المالية فلا يعاني الاقتصاد من التضخم المالي.

- ثقل وزن الإتحاد الأوروبي في المبادلات التجارية وخاصة الصادرات وما يفرضه ذلك من متطلبات جودة الانتاج بكل أصنافه فلاحيا وطاقيا ومنجميا وصناعيا دون مبالاة بما يمكن أن تمر به البلاد من أزمات طبيعية أو سياسية.

- معاناة المبادلات التجارية من الضغوطات العالمية مثل الحرب في أوكرانيا التي وضعت البلاد في ضائقة غذائية لعجزها عن الاستيراد من الدول الأوروبية او أمريكا الشمالية لفرضها التعامل بالعملة الصعبة.

كل هذه المشاكل وغيرها لا حل لها سوى تنمية الانتاج وتحسين جودته وخاصة حسن الترويج له في كل أنحاء العالم وعدم الاقتصار على الأسواق التقليدية.

الخاتمة :

تلعب البنية الأساسية دورا رئيسيا في تنمية الانتاج وجعله يتماشى مع مقتضيات السوق الاستهلاكية الداخلية والخارجية وللدولة دور هام جدا في هذا المجال. فهل تقدر الدولة على اخراج المناطق الداخلية من عزلتها حتى تساهم أكثر في تنمية الاقتصاد وتنمية صادرات البلاد؟


دروس التاريخ

- الدرس 1: الحرب العالمية الأولى الأسباب وأبرز النتائج


- الدرس 2: الحركة الوطنية التونسية في العشرينات


- الدرس 3: الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات


- الدرس 4: أسباب الحرب العالمية الثانية


- الدرس 5: نتائج الحرب العالمية الثانية


- الدرس 6: الحرب الباردة


- الدرس 7: تحرر الشعوب المستعمرة


- الدرس 8: القضية الفلسطينية


- الدرس 9: الحركة الوطنية التونسية من 1945 إلى 1956


- الدرس 10: تونس من 1956 إلى 1987


- الدرس 11: الحركة الوطنية الجزائرية


- الدرس 12: الحركة الوطنية المغربية


- الدرس 13: الحركة الوطنية الليبية