الدرس 6: التنمية الفلاحية بالبلاد التونسيّة

المقدمة:

شهد المجال الفلاحي التونسي منذ الاستقلال تحولات هامة على مستوى الهياكل العقارية قصد تحسين الانتاج والانتاجية ورغم تحسن الانتاجية في العديد من الضيعات الفلاحية فقد حافظ الانتاج على خصائصه الأساسية. فما هي مظاهر التنمية الفلاحية بالبلاد التونسية وما هي حدودها؟

I- أهمّ توجّهات التنمية الفلاحية:

1. تحويرات هامة في الأوضاع العقارية بالبلاد التونسية:

شملت هذه التحويرات العقارات الفلاحية العمومية التي حصلت عليها الدولة من أراضي المعمرين التي أمّمتها يوم 12 ماي 1964 إلى جانب أراضي الأحباس التي تم حلّها. ويشرف ديوان الأراضي الدّولية على استغلال مساحات شاسعة خاصة في منطقة حوض مجردة التي تتميز بخصوبتها وقدرتها الانتاجية العالية التي تساعد عليها التجهيزات والتقنيات العصرية في كل مراحل الانتاج.

2. التجربة التعاضدية من 1962 إلى 1969:

خاضتها تونس بعد فترة وجيزة من الاستقلال حيث تم ادماج القطاع الفلاحي التقليدي مع الأراضي المؤممة وتم تسييرها عن طريق وحدات تعاضدية للانتاج فمكن تجميع الأراضي الفلاحية من تسهيل استغلالها وتعصيرها وتنويع انتاجها حسب المناطق وظروفها الطبيعية.إلا أن هذه التجرة لم تعمر طويلا لكثرة المشاكل التي أثارتها والناتجة أساسا عن سوء الإدارة والتسيير وخاصة عدم اقتناع الفلاحين التقليديين والتزامهم بالاستغلال الجماعي للأرض فتم التخلي عن هذه التجربة سريعا في سبتمبر 1969.

3. تعدد الأطراف المتدخلة في التنمية الفلاحية منذ منتصف الثمانينات:

- شرعت الدولة في تطبيق برنامج الاصلاح الهيكلي الفلاحي منذ 1980 فمكنت العديد من الأطراف من المساهمة إلى جانبها في تنمية القطاع الفلاحي من خلال التشجيع على الاستثماروالمبادرة الفردية في كل المشاريع التي لها علاقة مباشرة بالانتاج الفلاحي.

- بداية ظهور شركات الإحياء والتنمية الفلاحية منذ سنة 1982 التي كانت في البداية وطنية ومكنها قانون 1988 من تنمية الأراضي الفلاحية التابعة للدولة إلا أن قانون 1993 فتح الأبواب أمام الشركات والبنوك الأجنبية لانشاء هذه الشركات الإحيائية.

- كما ظهرت سنة 1983 وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية التي كانت تعمل على تطوير الاستثمار الخاص وتعصير الانتاج في القطاعات الفلاحية والصيد البحري والخدمات المرتبطة بهما.وأصبحت هذه الوكالة همزة الوصل بين المستثمرين الأجانب والمستثمرين التونسيين قصد بعث مشاريع فلاحية مشتركة.

- وكان للجمعيات ذات المصلحة المشتركة دور هام في مساندة الدولة فقد أنشأها الفلاحون في إطار قانون الجمعيات قصد السهر على مصالحهم والتي من بينها إدارة المنشآت المائية والأراضي السقوية والتي تشرف عليها الجمعيات المائية فتبيع الماء للفلاحين والريفيين عموما وتهتم بصيانة المعدات.

4. توفير المدخلات الفلاحية ووسائل الانتاج:

حرصت الدولة بعد الاستقلال على توفير حاجيات القطاع الفلاحي من مواد كيميائية (أسمدة – أدوية – مبيدات) وآلات فلاحية متنوعة وخاصة المرتبطة بانتاج الحبوب والأعلاف مثل الجرارات والآلات الحاصدة وغيرها كما وفرت للفلاحين البذور الممتازة ذات المردود المرتفع كما حرصت الدولة والجمعيات المائية على مد الأراضي السقوية بحاجياتها من المياه لاستعمالها للري التكميلي أو طرق أخرى للري مقتصدة للمياه وعلى امتداد الموسم الزراعي.

II- خصائص المجال الفلاحي التونسي وتحوّلاته:

1. المجال الفلاحي التونسي وتوزعه بين الأقاليم:

يمتد المجال الفلاحي التونسي على 9.5 مليون هكتارأي ما يمثل 58.2 % من مساحة البلاد منها 5.5 مليون هكتار أراضي صالحة للحراثة و 4 ملايين هكتار غابات ومراعي سباسبية. وتتوزع الأراضي الصالحة للحراثة بتفاوت بين أقاليم البلاد التونسية. فالشمال الذي يمثل 18 % من مساحة البلاد لا تحرث منه سوى 37 % من مساحته لسببين أساسيين كثافة الغطاء الغابي إلى جانب الكثافات السكانية. أما الوسط الذي يمثل 22 % من مساحة البلاد 47 % منه أراضي صالحة للحراثة .في حين يمثل الجنوب 60 % من مساحة البلاد لكن لا تصلح سوى 16 % من أراضيه للحراثة.

2. خصائص الانتاج الفلاحي التونسي:

- يتميز الانتاج الفلاحي التونسي بتنوعه فهو يشمل الحبوب التي تخصص لها 1.6 مليون هكتار والأشجار المثمرة من زيتون (70 مليون شجرة على 1.68 مليون هكتار) وكروم وقوارص وتمور (57 ألف هكتار فيها 5.4 مليون نخلة 3.5 مليون منها من صنف دقلة النور وقد وفرت سنة 2019 327.9 ألف طن أغلبها من صنف دقلة النور) كما يشمل الخضر التي منها ما يلقى الرواج في الخارج مثل الطماطم أما الانتاج الحيواني فيشمل الماشية (بقر وأغنام وماعز) والدواجن والأسماك حيث تستغل تونس سواحلها باعتماد أكثر من 40 ميناء 10 منها تتوفر فيها معدات الصيد في الأعماق والبقية تكتفي بالصيد الساحلي.


المجال الفلاحي التونسي

- كما يتميز الانتاج الفلاحي التونسي بعدم انتظامه إما لظروف طبيعية مناخية مثل زراعة الحبوب التي تتأثر محاصيلها كثيرا بكميات الأمطار وتوزعها خلال الموسم الفلاحي أو بيولوجية مثل صابة الزيتون التي تتأثر بكميات الأمطار لكنها عموما تراوح بين كميات الانتاج من سنة إلى أخرى للحفاظ على صبغته البيولوجية. والملاحظ أيضا أن الزراعات التي يمكن انتاجها مع الاقتصاد في كميات المياه وتلقى الرواج في الأسواق الداخلية والخارجية فإن انتاجها يحافظ على نسقه التصاعدي مثل أصناف عديدة من الخضر مثل الطماطم والبطاطا وغيرهما.

- كان لانتشار تقنيات الري المقتصدة للمياه أثر مباشر على اتساع رقعة الزراعات السقوية في كل أقاليم البلاد لتلبية الحاجيات المتزايدة الداخلية والخارجية رغم أن تتالي سنوات جفاف يجعلها تتقلص من حين إلى آخر.

3. المكانة الاقتصادية والاجتماعية للفلاحة التونسية:

- اقتصاديا: تستقطب الفلاحة التونسية استثمارات هامة تجاوزت خلال السنتين 2022 و2023 1300 مليار دينار سنويا وهي توفر 8.15 % من الناتج الداخلي الخام وتمثل المنتوجات الفلاحية 9.7 % من قيمة الصادرات وتحقق نسبة تغطية تجاوزت 70 % من حجم واردات البلاد الغذائية. وترتكز الصادرات الفلاحية التونسية على زيت الزيتون والتمور من صنف دقلة النور والانتاج السمكي والقوارص وبعض الخضر.ويصدر الانتاج الفلاحي التونسي إلى أسواق تقليدية مثل الاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا وإيطاليا إلى جانب المغرب الأقصى وأسواق جديدة مثل الأسواق الأمريكية والأسواق الإفريقية والأسواق الآسيوية.

- اجتماعيا: شهدت نسبة التشغيل في القطاع الفلاحي تراجعا كبيرا منذ الاستقلال نظرا لأهمية حركة تعصيره إلا أن هذا القطاع لا يزال يشغل 16.3 % من اليد العاملة 80 % منها نسائية وهي تشغل في حقول زراعة الخضر إلى جانب جني الثمار وخاصة منها الزيتون. أما الحقول المحروثة فأغلب اليد العاملة فيها رجالية لكثرة استخدام التقنيات العصرية فيها.

4. الصعوبات التي تواجهها الفلاحة التونسية:

- صعوبات طبيعية: تتمثل في شدة ارتباط الانتاج الفلاحي البعلي بالتساقطات وخاصة توزعها خلال الموسم الفلاحي. ومعاناة أراضي الشمال من الانجراف والواحات من التصحر أما أراضي الوسط فهي تعاني من التفقر وارتفاع نسبة ملوحتها خاصة في السباسب السفلى. كما تعاني كل المناطق من مخاطر الحرائق والجفاف والتغيرات المناخية، إلى جانب النقص الحاد في مياه الري مما يضطر الدولة إلى توجيه استعمال المياه المعالجة لري الأشجار المثمرة إلى جانب استعمال تقنيات الري المقتصدة للمياه.

- صعوبات سياسية اقتصادية: تظهر من خلال تفريط الدولة في البذور والمشاتل المحلية المقاومة للتقلبات المناخية والمتحملة نسبيا للجفاف واللجوء إلى استيراد مشاتل أجنبية مهجنة تحقق مردودا أعلى لكنها تجعل الفلاحين في تبعية دائمة لدول أخرى.كما أن الدولة لا تدعم الفلاحين الصغار بالقدر الكافي مما يضطرهم للتعامل مع البنو ك بنسب فائدة عالية فتتراكم ديونهم.

- صعوبات اجتماعية: تظهر من خلال ارتفاع معدل أعمار الفلاحين إلى 60 سنة وهو ما يعني ضرورة تشبيب النشيطين في هذا القطاع.

- صعوبات هيكلية: حيث يعاني الفلاحون من تفتت وصغر مساحات الملكيات الزراعية والحيوانية 85 % من الفلاحين التونسيين يستغلون مساحات تقل عن هكتار و67 % من المربين يملكون بين بقرة و3 بقرات. وفي فترات ذروة الانتاج (القوارص- تمور – حليب) يجد الفلاحون صعوبة في تخزينه وترويجه في الداخل أو في الخارج مما يتسبب في أزمة اجتماعية واحتجاجات على السلط العاجزة عن إيجاد أسواق لترويج ذلك الانتاج.

الخاتمة :

لقد شهدت الفلاحة التونسية تطورا هاما لكنه خاضع لضغوطات عديدة ومتنوعة تكبل تحقيقها لطموحات النشيطين فيها. فهل تتمكن الفلاحة التونسية من تجاوز هذه الضغوطات بالاعتماد على سواعد أبنائها وبمساعدة دولتهم أم أنها ستبقى في حاجة متواصلة للتدخل الأجنبي في خياراتها؟


دروس التاريخ

- الدرس 1: الحرب العالمية الأولى الأسباب وأبرز النتائج


- الدرس 2: الحركة الوطنية التونسية في العشرينات


- الدرس 3: الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات


- الدرس 4: أسباب الحرب العالمية الثانية


- الدرس 5: نتائج الحرب العالمية الثانية


- الدرس 6: الحرب الباردة


- الدرس 7: تحرر الشعوب المستعمرة


- الدرس 8: القضية الفلسطينية


- الدرس 9: الحركة الوطنية التونسية من 1945 إلى 1956


- الدرس 10: تونس من 1956 إلى 1987


- الدرس 11: الحركة الوطنية الجزائرية


- الدرس 12: الحركة الوطنية المغربية


- الدرس 13: الحركة الوطنية الليبية