الدرس 8: القضية الفلسطينية

المقدمة:

لقد تحصلت أغلب شعوب العالم المستعمرة على استقلالها بفضل وعيها ونضالاتها إلا أن الشعب الفلسطيني رغم وعيه ونضالاته فقد فشل في الحصول على استقلاله. فما هي جذور القضية الفلسطينية؟ وما هي الأطوار التي مرت بها من 1945 إلى 1993؟

I- جذور القضية الفلسطينية:

1. موقع استراتيجي للتحكم في ثروات المشرق العربي:

- تقع فلسطين في منطقة استقرار سكاني قديم يتميز بنشاطه الكثيف فهي تربط بين قارات ثلاث كما تربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهندي عبر قناة السويس منذ 1869.

- وهي تاريخيا أرض الرّسالات السماوية السابقة للإسلام. لذا تم استغلال هذه الميزة لاستقطاب اليهود من كل أنحاء العالم حتى تكون موطنا قوميا لهم يخلصهم من التشرد الذي عانوا منه طيلة القرون السابقة.

- وكمقابل (لهذا الوطن الذي هو في الحقيقة لا يقتصر على فلسطين بل يمتد من الفرات إلى النيل) يلعب بنو صهيون دور الحافظ للمصالح الأوروبية ثم الأمريكية في المشرق العربي الثري بالمواد الطاقية. كما يكونون عقبة أمام التنمية الاقتصادية لهذه المنطقة وخاصة استقرارها.

2. الجذور التاريخية للقضية الفلسطينية:

- التوافق بين الحركة الصهيونية والتوسع الاستعماري الأوروبي في نهاية القرن التاسع عشر على اعتبار أن عددا هاما من كبار التجار والمستثمرين هم من اليهود مثل عائلة روتشيلد.

- وجود حركات لا سامية معادية لليهود في عديد البلدان الأوروبية منها ألمانيا وقد تفاقمت ممارساتها العنصرية خلال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها النظام الرأسمالي بصفة دورية.

- أمام رفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني منح أراض فلسطينية لليهود تكفلت بريطانيا بهذه المهمة منذ وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 وخاصة الانتداب الذي مكنها من تنفيذ هذا الوعد وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين. وكان أول مندوب سام عينته بريطانيا على فلسطين هو اليهودي هربرت صموئيل المعروف بتحيزه للصهاينة فوفر لهم كل الظروف الملائمة ليستوطنوا أراضي فلسطين.

- مع بداية الحرب العالمية الثانية ولكي تكسب عددا أكبر من العرب ومنهم الفلسطينيين خففت بريطانيا من مناصرتها للصهيونية في الكتاب الأبيض الثالث الصادر عن حكومتها في 17 ماي 1939 والذي فيه اقرار بمبدأ استقلال فلسطين وتحديد عدد المهاجرين اليهود إليها بـ75 ألف خلال الخمس سنوات الموالية.

دخول الصهاينة في صراع مع بريطانيا التي أصبحت عائقا أمام تحقيقهم لهدفهم وهو إقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطينية وقد وجدوا في الولايات المتحدة الأمريكية (التي كانت قد احتضنت عددا كبيرا من اللاجئين اليهود من أوروبا إثر اجتياحها من قبل القوات الألمانية المعادية للسامية ولليهود) أفضل سند لهم بل إن كلا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أصبحا يتسابقان على نصرة بني صهيون.

مساهمة كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في نشأة الكيان الصهيوني على حساب أراضي الفلسطينيين الذين هجّروا وقتّلوا طيلة فترة ما بين الحربين وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية حيث تسارعت الخطوات لإعلان قيام دولة بني إسرائيل فكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول المعترفين بها ثم تلتها الدول الأوروبية الموالية لها وكذلك الدول الاشتراكية وعلى رأسها الإتحاد السّوفياتي.

3. القضية الفلسطينية بين 1945 و1948:

- لا يكفي أن الصهاينة ضمنوا وقوف الأمريكيين إلى جانبهم (ضغطوا على بريطانيا لجعلها تتخلى عن سياسة الكتاب الأبيض الثالث بعد نهاية الحرب فتهافت الصهاينة على اقتناء الأراضي لتركيز دولتهم) فإننا نجدهم يكسبون تعاطفا كبيرا من الرأي العام الأوروبي الذي أصبح يعيش حالة شعور بالذنب تجاه معاناة اليهود من سياسة النازيين العنصرية.

- كان لموالاة الحركة الوطنية الفلسطينية بقيادة امين الحسيني لألمانيا تأثيرا سلبيا كبيرا على الرأي العام الأوروبي والأمريكي الذي صنفها حركة لا سامية فاشية وعنصرية لا علاقة لها بحركات التحرر في العالم.

- بدعوى حماية أنفسهم من خطر العرب كوّن الصهاينة عصابات مسلحة " الهاغانا" و"شتيرن" أرهبت العرب وقتّلتهم وشرّدتهم وشجعت مزيدا من الصهاينة على الهجرة إلى فلسطين.

- قبيل انهاء بريطانيا للانتداب على فلسطين عرضت قضية الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة على منظمة الأمم المتحدة فكان قرار التقسيم.


خريطة القرار الأممي لتقسيم فلسطين سنة1947

ترحيب الصهاينة بقرار التقسيم وإقامتهم لدولتهم في نفس اليوم الذي انسحبت فيه القوات البريطانية يوم 14 ماي 1948 من فلسطين. إلا أن الدول العربية التي كانت قد تحصلت على استقلالها ساندت الفلسطينيين في اعتراضهم على قرار التقسيم.

- اندلاع أولى الحروب بين العرب والكيان الصهيوني الذي تمكن من الانتصار بفضل الدعم الأوروبي والأمريكي.

مزيد توسع دولة الكيان الصهيوني كما وضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية والضفة الغربية تحت إدارة الأردن أما القدس فقد وضعت تحت إدارة أردنية إسرائيلية أما الفلسطينيون في بقية المناطق فقد تم تهجير أغلبهم إلى المخيمات التي أقيمت لهم في الدول العربية المتاخمة.


خريطة فلسطين بعد حرب 1948

كسب الكيان الصهيوني خلال هذه الفترة مزيدا من الدعم الدولي فسلك سياسة انتقامية من الفلسطينيين الذين شردوا داخل الوطن وفي اتجاه الخارج وفي المقابل دعموا سياسة الاستيطان.

II- أطوار المقاومة الفلسطينية للكيان الصهيوني بين 1948 و1993:

1. المقاومة الفلسطينية من 1948 إلى منتصف السبعينات:

- إلى منتصف الخمسينات بقيت المقاومة مشتتة في حالة انتظار لقرارات الأمم المتحدة التي لم يكن الكيان الصهيوني يوافق عليها مثل عودة المهجرين.

- من منتصف الخمسينات إلى أواخر السبعينات أسس الفلسطينيون منظمات تشرف على المقاومة أولها "منظمة التحرير الوطني الفلسطيني" ("فتح") سنة 1957 إلى جانب عدة منظمات أخرى تم تجميعها في القاهرة سنة 1964 تحت "منظمة التحرير الفلسطينية".

- منذ 1965 اعتمدت المقاومة الفلسطينية الكفاح المسلح عبر عمليات فدائية الغاية منها تحرير كامل الأراضي الفلسطينية.

لقد نجحت منظمة التحرير الفلسطينية في التعريف بقضيتها وكسب تأييد العديد من الدول الإفريقية والآسيوية التي مكنتها من فتح مكاتب لها في عواصمها كما اعترفت المنظمة الأممية بها بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ومنحتها مركز ملاحظ بالجمعية العامة ودعت ياسر عرفات لإلقاء خطاب على منبرها في نوفمبر 1974 لكن دورها اقتصر على التنديد بالسياسة التوسعية الصهيونية ومطالبتها بتطبيق القرار 242 (الصادر في 22 نوفمبر 1967 والقاضي بالانسحاب من الأراضي المحتلة خلال تلك السنة).


توسّعات الكيان الصهيوني بعد حرب 1967

تحولت القضية الفلسطينية من قضية لاجئين إلى قضية شعب يطالب بحقه في تقرير مصيره.

2. المقاومة الفلسطينية من نهاية السبعينات إلى سنة 1993:

- في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وجدت المقاومة الفلسطينية نفسها في دوامة أحداث شهدتها منطقة الشرق الأوسط وهي أحداث تتجاوز إمكانياتها فقد تمكنت مصر من استرجاع سيناء وأبرمت معاهدة صلح مع الكيان الصهيوني الذي لجأ إلى احتلال جنوب لبنان سنة 1978 على اعتبار احتضانه لعناصر المقاومة الوطنية وقياداتها فلم تأتي سنة 1982 إلا وقد انسحبت هذه المقاومة في اتجاه تونس.

- منذ 1988 أعلنت "منظمة التحرير الفلسطينية" قبولها بالتسوية السياسية للقضية الفلسطينية على أساس قرارات منظمة الأمم المتحدة وخاصة القرار 242 لسنة 1967 الذي يلزم اسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها إثر حرب 1967 وهو ما يعني اعتراف ضمني بالكيان الصهيوني. كما أعلنت من الجزائر في نفس السنة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة مستفيدة من قيام انتفاضة الحجارة الأولى في نهاية 1987 والتي كانت بديلا عن المقاومة المسلحة.

- مع سقوط الإتحاد السوفياتي سنة 1991 وجد الفلسطينيون أنفسهم منفردين أمام غطرسة العدو الصهيوني ورفضه تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة التي تتعارض مع مصالحه. إلا أن انتفاضة أطفال الحجارة أربكت القوات الصهيونية وأدخلتها في مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين فكان مؤتمر الصلح في مدريد سنة 1991 الذي أفضى إلى إمضاء اتفاقية أوسلو سنة 1993 وهي اتفاقية لا تعترف بدولة فلسطينية ولكن تمنح الفلسطينيين سلطة إدارية وطنية على الضفة الغربية وقطاع غزة في انتظار تواصل المفاوضات.

إن عدم اعتراف الكيان الصهيوني بدولة فلسطين يعطيه شرعية التدخل العسكري في أي وقت لاعتقال أو اغتيال أو قتل كل معترض على سياسته خاصة الاستيطانية.

الخاتمة :

مع تواصل افتكاك أراضي الفلسطينيين والاستيطان ورفض عودة المهجّرين الفلسطينيين تبقى القضية الفلسطينية متصدرة للأحداث في العالم العربي وشاغلة دول الجوار الصهيوني عن قضايا التنمية خاصة مع التعنت الإسرائيلي الرافض لكل قرارات الأمم المتحدة والمدعوم غالبا بالفيتو الأمريكي كلما اقتضت الحاجة. ألم تقنع كل هذه المدة العالم الغربي على أن الكيان الصهيوني ارتكب من المجازر في حق الشعب الفلسطيني أكثر مما ارتكبه النازيون في حق اليهود؟


دروس الجغرافيا

- الدرس 1: الوسط الطّبيعي بالمغرب العربي المزايا والضغوطات


- الدرس 2: الموارد الطّبيعيّة بالمغرب العربي


- الدرس 3: السكان والتنمية البشرية بالمغرب العربي


- الدرس 4: التنمية الاقتصادية بالمغرب العربي


- الدرس 5 : السكّان بالبلاد التونسيّة


- الدرس 6: التنمية الفلاحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 7: التنمية الصناعيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 8: التنمية السّياحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 9: تنمية التجارة الخارجيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 10: حصيلة التنمية بالبلاد التونسية