الدرس 2: الحركة الوطنية التونسية في العشرينات

المقدمة:

شهدت البلاد التونسية حركة اصلاحية شاملة خلال النصف الثاني للقرن التاسع عشر لم توقفها ثورة علي بن غذاهم ولا سقوط حكومة خير الدين ولا استيلاء المستعمر الفرنسي على كامل البلاد فكانت حركة الشباب التونسي امتدادا لهذه الحركة الاصلاحية في نهاية القرن XIX وبداية القرن XX لكن بوجه جديد. فما هي العوامل المساعدة على تطور العمل الوطني خلال عشرينات القرن XX؟ وما هي مظاهر هذا التطور على المستويين السياسي والاجتماعي؟

I- العوامل المساعدة على تطور العمل الوطني التونسي في العشرينات:

1. العوامل الداخلية:

- ارتفاع عـدد المتخرجين من جامع الزيتونة ومعهد كارنو والمعهد الصادقي والمعهد العلوي ومنهم من أتمّ دراسته الجامعية في فرنسا فكلهم يتقنون اللغة الفرنسية ومطلعون على التطورات الحاصلة في العالم الغربي وقد مكنهم مستواهم التعليمي من الارتقاء في سلم الوظائف الاجتماعية والطموح إلى واقع أفضل من الذي يتوفر في البلاد ومن بين هؤلاء الشباب نذكر علي باش حامبة والطاهر والبشير صفر وعبد العزيز الثعالبي وغيرهم.

- تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين في المدن وخاصة الأرياف نظرا لقلة عناية الدّولة بالتعليم العام والتعليم التقني والمهني في الفلاحة أو الصناعة وانتشار الفقر وثقل الضّرائب.

- التمييز في المعاملة بين المعمرين من جنسيات أوروبية وخـاصة الإيطالية والفرنسية وأهالي البلاد في العديد مـن القطاعات.

- تدعيم فرنسا لسياستها الاستعمارية اثر نهاية الحرب الكبرى نظرا لحاجتها لموارد مستعمراتها التي تحصل عليها بأقل التكاليف فاستأنفت الاستعمار الزراعي وسنّت الثلث الاستعماري لفائدة الموظفين الفرنسيين لتشجيع المعمرين الفرنسيين على العمل في البلاد التونسية كما فتحت الأسواق التونسية امام الانتاج الصّناعي الفرنسي وعجز الحرفيون التونسيون عن منافسته فتدهورت مداخيلهم وأفلس أغلبهم.

2. العوامل الخارجية:

- تأثر الشباب التونسيون بحركة "تركيا الفتاة" التي وصلت إلى الحكم في جويليا 1908 وضغطت على السلطان عبد الحميد الثاني للعودة للعمل بالدستور المعلق منذ 1878 ثم تمكنت من تعويضه بأخيه في أفريل 1909.وقد عرفت حركة "تركيا الفتاة" بوقوفها ضد التوسع الاستعماري وحرصها على دسترة الحياة السياسية وتوحيد المسلمين في جامعة اسلامية تساعدهم على التصدي للأطماع الاستعمارية مثل أطماع ايطاليا في إيالة طرابلس.

- تأثروا أيضا بالثورة المصرية التي قادها سعد زغلول سنة 1919 ضد الاستعمار الانـﭬليزي وانتهت بإلغاء الحماية الإنـﭬليزية سنة 1922.

- اعـلان مبادئ ولسن في جانفي 1919 وخاصة منها البند 5 المتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها. فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكن دولة استعمارية مثل الدول الأوروبية لكنها كانت بحاجة لفتح الأسواق أمام انتاجها ولا يمكن أن تفتح هذه الأسواق إلاّ إذا كانت في بلدان ذات سيادة. لقد أعطت هذه البنود أملا للشعوب المستعمرة في الحصول على استقلالها مثل شعوب المغرب التي كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي.

- إعلان ايطاليا الحرب على الدولة العثمانية بدعوى عجزها عن حماية الجالية الإيطالية في طرابلس و استعمارها لليبيا سنة 1911.

II- مظاهر تطور الحركة الوطنية التونسية:

1. انشطة حركة الشباب التونسي في بداية القرن XX:

- النشاط الثقافي الوطني في الجمعيات مثل "الخلدونية " و"جمعية قدماء الصادقية " ونشر مقالات توعوية في صحيفة "الحاضرة "الصادرة منذ 1888 ثم "التونسي" الناطقة بالفرنسية منذ فيفري 1907 ثم بالعربية منذ نوفمبر 1909.

- الحركة المطلبية التي كانت نتيجة حتمية لتطور الوعي الوطني بالهوية التونسية فكانت مطالبتهم بالعناية بالتعليم وحماية الحرفيين من منافسة الانتاج الفرنسي لإنتاجهم إلى جانب تشريك الفلاحين التونسيين في استغلال الأراضي.

- النشاط السياسي من خلال مشاركة عناصر الحركة مثل محمد الأصرم والبشير صفر في المؤتمر الاستعماري بمرسيليا في سبتمبر 1906 وفي مؤتمر شمال إفريقيا الاستعماري في أكتوبر 1908 فكانا فرصة لتأكيد مطالب التونسيين أمام المجتمع الفرنسي الذي تفاعل معها جزئيا لكن السلط الاستعمارية قررت اللجوء الى القمع.

- اللجوء إلى التصعيد ومناصرة الشعب في تحركاته وخاصة منها أحداث الزلاج في نوفمبر1911 ومقاطعة الترامواي بداية من فيفري 1912.

لقد سهل اقتصار تواجد حركة الشباب التونسي على العاصمة عملية قمعها بنفي أغلب عناصرها ومنع صدور صحيفة "التونسي " في مارس 1912 إلا أن هذه الحركة مثلت مرحلة هامة في تطور الحركة الاصلاحية والحركة الوطنية التونسية التي ستعرف تطورا نوعيا إثر الحرب الكبرى.

2. تطور الحركة الوطنية في العشرينات:

أ. الحزب الحر الدستوري التونسي:

- كان لتحركات الشعبين المصري والتركي أثر مباشر على وعي التونسيين بضرورة التنظم لتحقيق مثل تلك النجاحات فتم في ربيع 1919 تأسيس الحزب التونسي الذي أعتبر امتدادا لحركة الشباب التونسي.

- وفي مارس 1920 تم تأسيس الحزب الحر الدستوري التونسي من قبل بعض عناصر حركة الشباب التونسي بقادة عبد العزيز الثعالبي.

- لخص عبد العزيز الثعالبي برنامج الحزب في كتابه "تونس الشهيدة"بمعية أحمد السقا في المطالب الموالية :

    • • تحقيق المساواة بين التونسيين والفرنسيين في إطار نظام الحماية من خلال وضع نظام دستوري يرتكز على الفصل بين السلط ويضمن الحريات العامة والمساواة أمام القانون والوظائف العمومية والضرائب.
      • المطالبة بإجباريّة التعليم الابتدائي مع تنويع الاختصاصات في المرحلة الثانوية والجامعية وفتح الآفاق أمام الرّاغبين في مواصلة دراستهم الجامعية في الخارج.
      • الاهتمام بالمشاكل العقارية للتونسيين من خلال المطالبة باعتراف السلط الاستعمارية بحق العروش في امتلاك الأراضي التي تقيم عليها حتى وإن لم يكن لها اثباتات الملكية وتشريك التونسيين في عمليات اقتناء الأراض الدولية والقروض الشعبية...
      • تعميم الأشغال ذات المنفعة العامة بكامل البلاد كلما اقتضت الضرورة ذلك .
      • اصدار قوانين اجتماعية لحماية الأطفال والنساء والمتقدمين في السن.
  • - وقد اعتمد نشاط الحزب الحر الدستوري على كسب الرأي العام التونسي عن طريق الصحف والاجتماعات وإنشاء الشعب في أغلب مناطق البلاد والتعريف بمطالب التونسيين لدى السلطات الفرنسية في تونس وفي باريس عن طريق الوفود والعرائض الممضاة من قبل آلاف التونسيين إلى جانب السعي لكسب مناصرة الباي محمد الناصر لمطالب الوطنيين.

    لقد خرجت الحركة الوطنية مع الحزب الحر الدستوري في العشرينات من محيطها النخبوي الضيق المقتصر على العــاصمة ليتـوسع لفــائدة الفئـات المتـوسطة والشعبية في كـامل أنحـاء البلاد وهـو مـا أثـار مخـاوف السّلط الاستعمارية التي لجأت الى منع الحريات وقمع الوطنيين وتشتيتهم.

    ب. جامعة عموم العملة التونسية:

    - ترجع ظروف نشأتها أساسا إلى وعي العمال التونسيين بفشل النقابات الفرنسية في تحقيق مطالبهم باعتبار سياستها التمييزية بين العمال. وقد أكسبهم تواجدهم في النقابات الفرنسية خبرة أهلتهم لإنشاء نقابات وطنية خاصة بالتونسيين في ظرفية تميزت بكثرة الاضرابات سنة 1924.

    - تم تأسيس جامعة عموم العملة التونسية في 1 نوفمبر سنة 1924 بعد الانطلاق في بعث النقابات منذ بداية السنة.

    - ويمكن تلخيص أهداف هذه الجامعة في توفير إطار منظم قادر على تجميع الأجراء قصد حماية حقوقهم المادية والمعنوية دون تمييز بينهم بسبب جنسياتهم أو أديانهم.

    - وقد تنوعت أنشطة هذه الجامعة العمالية تحت قيادة محمد علي الحامي ومختار العياري وأحمد بن ميلاد وغيرهم فقد كانوا ينشئون النقابات ويعقدون الاجتماعات العمالية ويشرفون على الاضرابات المطالبة بتحسين أوضاع العمال ويتفاوضون مع أصحاب المؤسسات او الأطراف المشغلة...

    لقد أشعرت جامعة عموم العملة التونسية الأجراء التونسيين باستقلاليتهم وقدرتهم على الضغط على المستعمر وهو ما لم تنكره السلطات الاستعمارية التي سارعت إلى نفي قادة الجامعة العمالية الفتية ومنع كل نشاط لها.

    الخاتمة :

    لقد تنوعت أبعاد الحركة الوطنية في تونس خلال العشرينات سياسية كانت أو نقابية وأشعرت آلاف التونسيين بحاجتهم الماسة لأطر جديدة توحدهم وتحقق طموحاتهم لكن السلط الاستعمارية كانت لهم بالمرصاد. فهل يساهم تأزم الأوضاع في بداية الثلاثينات في انعاش الحركة الوطنية ثانية؟


    دروس الجغرافيا

    - الدرس 1: الوسط الطّبيعي بالمغرب العربي المزايا والضغوطات


    - الدرس 2: الموارد الطّبيعيّة بالمغرب العربي


    - الدرس 3: السكان والتنمية البشرية بالمغرب العربي


    - الدرس 4: التنمية الاقتصادية بالمغرب العربي


    - الدرس 5 : السكّان بالبلاد التونسيّة


    - الدرس 6: التنمية الفلاحيّة بالبلاد التونسيّة


    - الدرس 7: التنمية الصناعيّة بالبلاد التونسيّة


    - الدرس 8: التنمية السّياحيّة بالبلاد التونسيّة


    - الدرس 9: تنمية التجارة الخارجيّة بالبلاد التونسيّة


    - الدرس 10: حصيلة التنمية بالبلاد التونسية