الدرس 8: التنمية السّياحيّة بالبلاد التونسيّة

المقدمة:

تعتبر السياحة من القطاعات الاقتصادية الأساسية التي راهنت عليها الدولة التونسية منذ الاستقلال وقد شهدت تطورا سريعا منذ سبعينيات القرن العشرين. فما هي مظاهر نمو هذا القطاع؟ وما هي العوامل التي ساهمت في ازدهاره؟ وما هي انعكاسات هذا الازدهار؟

I- سياسة التصنيع وتنمية الحرف بالبلاد التونسية بعد الاستقلال:

1. تطور عدد النزل السياحية بالبلاد التونسية:


تطوّر عدد النّزل في تونس بين 1962 و2023

- ارتفع عدد النزل في البلاد التونسية من 74 نزلا سنة 1962 إلى 508 سنة 1990 و895 سنة 2022.

- منذ سبعينات القرن العشرين بدأت تتشكل مناطق سياحية على الساحل الشرقي للبلاد التونسية وأهم هذه المناطق:

  • • منطقة جربة - جرجيس- قابس التي تتوفر فيها 20.4 % من المؤسسات السياحية وتستقطب 23 % من السياح
  • • منطقة نابل – الحمامات التي تتوفر فيها 19.7 % من المؤسسات السياحية وتستقطب 21 % من السياح.
  • • منطقة سوسة – القيروان 11.5% من المؤسسات و16.6% من السياح.
  • • وبدرجة أقل منطقة تونس – زغوان ثم منطقة صقانس - المنستير
  • • أما بقية المناطق فكلها محدودة الأهمية وموزعة على بقية الجهات الساحلية والداخلية.

2. تطور بعض المؤشرات السياحية بالبلاد التونسية:

- ارتفع عدد السياح الوافدين على تونس من 52750 سنة 1962 إلى 3.8 مليون سنة 1996 و6.5 مليون سائح سنة 2006 وقد تجاوزت 7 ملايين خلال عدة سنوات ليسجل أقصاه سنة 2019 9.4 مليون سائح.

- كما ارتفعت طاقة الإيواء من 2500 سرير قبل الاستقلال إلى 41225 سرير سنة 1971 و197000 سنة 2000 وتواصل هذا الارتفاع إلى سنة 2010 حيث استقر على 240000 سرير إلى اليوم.

- أما عدد الليالي المقضاة من قبل السياح في تونس فقد تجاوز 30 مليون ليلة منذ نهاية القرن العشرين وتواصلت هذه الوضعية طيلة العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين ثم تأثرت بتراجع عدد السياح لتستعيد نسقها سنة 2019 بتسجيل 30 مليون ليلة وتنخفض ثانية خلال جائحة كورونا وفي سنة 2022 سجلت تونس 20 مليون ليلة وتأمل أن تحقق نتائج أفضل.

3. الأصل الجغرافي للسياح الوافدين على البلاد التونسية:

- إلى نهاية العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين كان أكثر من 60 % من السياح أوروبيون وأكثر من ثلثهم مغاربة وخاصة ليبيون وجزائريون ونسبة ضعيفة من الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية.

- بعد 2011 تغيرت الأوضاع كثيرا فقد تراجع عدد السياح الأوروبيين وتدعم عدد المغاربة وخاصة الجزائريين كما استقبلت تونس الصينيين والروس قبل جائحة كورونا.

- وفي سنة 2023 دخل البلاد التونسية 8.8 مليون سائح 2.7 مليون جزائريون و2.1 مليون ليبيون و974 ألف فرنسيون وقد بينت إحدى الدراسات أن أغلب القادمين من أوروبا هم من التونسيين المقيمين في دول أوروبية.

تغير هام في الأصل الجغرافي للسياح الوافدين على البلاد التونسية.

II- العوامل المساهمة في ازدهار النشاط السياحي في تونس:

1. ثراء طبيعي وتاريخي:

- تزخر البلاد التونسية بثراء تاريخي ورثته من الحضارات التي ازدهرت على ترابها خلال عشرات القرون السابقة بدءا بالحضارة البربرية ومرورا بالحضارتين القرطاجية والرومانية ثم الإسلامية بمختلف تطوراتها وصولا إلى الحضارة العثمانية التي لم تلغي بعض التأثيرات الإسبانية وقد خلدت العديد من المواقع الأثرية هذه المحطات التاريخية فكانت وجهة للسياح المهتمين بالسياحة الثقافية.


خريطة المجال السّياحي التونسي

- إلى جانب هذا الثراء التاريخي تتمتع البلاد التونسية بثراء طبيعي ففيها تنوع كبير للمشاهد الطبيعية تحت التأثيرات المتوسطية تساعد عليها التضاريس المرتفعة نسبيا في المناطق الداخلية كما أن الامتداد من الشمال إلى الجنوب على أكثر من 800 كم يسمح بتنوع كبير في تضاريسها وكل خصائصها الطبيعية فمناخها يتحول من شديد الرطوبة ومثلج غالبا في فصل الشتاء في أقصى الشمال الغربي إلى معتدل ممطر في بقية المناطق الشمالية ثم تتقلص كميات الأمطار ليصبح المناخ صحراويا شديد الجفاف في أقصى الجنوب حيث تظهر الكثبان الرملية في جزئه الغربي.

- كما يقصد عدة سياح البلاد التونسية للاستجمام على شواطئها الرملية التي تمتد على أكثر من 500 كم خاصة على السواحل الشرقية.

- أما سياح آخرون فيقصدون البلاد التونسية للاستفادة من الخدمات الاستشفائية التي تقدمها عدة محطات مثل قربص وجبل الوسط أو مصحات بأسعار مغرية جدا دون اعتبار عمليات التجميل وغيرها مما يقبل عليه السياح الأوروبيون والمغاربة.

2. أهمية دور الدولة في التنمية السياحية:

- بدأ اهتمام الدولة التونسية بقطاع السياحة بإحداث "الشركة الفندقية والسياحة التونسية" سنة 1959 وتم دعمها بـ"الديوان الوطني للسياحة التونسية" سنة 1971 وأكدت على أن هذا القطاع استراتيجي في اقتصاد البلاد من خلال إحداث " الوكالة العقارية السياحية " بعد سنتين.

نفتاح المجال أمام الاستثمار السياحي.

- منذ السبعينيات وجهت الدولة اهتمام الخواص نحو الاستثمار في السياحة فبدأت مع مستثمرين تونسيين ثم انضاف لهم مستثمرون خليجيون وأوروبيون.

- وقد أثرت سياسة الاصلاحات الهيكلية على القطاع السياحي تأثيرا جذريا فقد تخلت الدولة عن عديد المؤسسات لفائدة الخواص وسخرت لهم التمويلات من البنوك العمومية كما وفرت لهم الأراضي عن طريق "الوكالة العقارية السياحية" إضافة إلى تجنيد هياكل وزارة السياحة والبعثات الدبلوماسية للتسويق لوجهة تونس في الخارج.

ازدهار كبير للسياحة التونسية في نهاية القرن العشرين.

3. دور وكالات الأسفار الأوروبية في نمو السياحة التونسية:

لضمان عدد هام من السياح الأوروبيين تحرص وزارة السياحة وأصحاب النزل التونسية على التعامل مع وكالات الأسفار الأوروبية فهي خبيرة بحاجيات السائح وامكانياته فتقنعه بالوجهة التونسية والخدمات السياحية المتوفرة فيها وقد لعبت وكالات الأسفار خلال التسعينات والعشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين دورا هاما في استقطاب السياح الأوروبيين من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والاشراف على تنظيم رحلاتهم السياحية على التراب التونسي.

III- انعكاسات التنمية السياحية بالبلاد التونسية:

1. الانعكاسات الايجابية:

- تحسن البنية التحتية في المناطق الساحلية لتلبية حاجيات السياح المتنوعة كالنقل من مطارات وموانئ والرياضة كملاعب الصولجان وفضاءات التسوق الكبرى...

- ارتفاع متواصل في عدد مواطن الشغل المباشرة التي توفرها السياحة من 18.5 ألف سنة 1972 إلى 90.4 ألف سنة 2004 وبلغ أقصاه 97 ألف سنة 2015 أما مواطن الشغل غير المباشرة فهي تصل إلى 3 أضعاف هذه الأعداد.

- أهمية مداخيل قطاع السياحة من العملة الصعبة التي مثلت سنة 1995 10 % من الناتج الداخلي الخام وهي تستخدم لتغطية عجز الميزان التجاري أو دفع أقساط الديون الخارجية كما يمكن أن تستثمر في تنمية أي قطاع اقتصادي.

- أهمية الدور الحضاري الذي يمكن أن تلعبه السياحة من خلال التقريب بين الحضارات والشعوب.

- الحرص على النظافة في المناطق السياحية وعلى العناية بالبنية التحتية بصفة منتظمة لضمان عودة السائح أو نقل صورة جيدة لأبناء بلده فيشجعهم على الوجهة التونسية.

2. الانعكاسات السلبية:

- شدة ارتباط النشاط السياحي بالأوضاع السياسية وخاصة الأمنية مثلما حدث سنة 2011 حيث تراجع عدد السياح إلى أقل من النصف كما يمكن أن تتأثر بأوضاع صحية مثلما حدث خلال جائحة كورونا بتراجع عدد السياح خلال سنتي 2020 و2021 . وبالتالي لا يمكن التعويل بصفة كلية على قطاع شديد الحساسية مثل القطاع السياحي.

- منافسة السياحة للفلاحة في استخدام الأرض وفي استهلاك المياه وهذا الانعكاس السلبي يتجلى بوضوح خلال سنوات الجفاف حيث يتضرر حتى المواطن العادي من الانقطاع المتكرر للمياه.

- ضعف مداخيل السياحة التونسية مقارنة بالسياحة التركية أو المغربية أو المصرية فالسياحة التونسية تستهدف شريحة اجتماعية متوسطة الثراء ففي سنة 2019 كان عدد الليالي المقضاة في تونس أكثر من عدد الليالي المقضاة في المغرب الأقصى إلا أن مداخيل المغرب الأقصى من السياحة كانت أكثر من 4 أضعاف مداخيلها في تونس.

- يتسبب اقبال السياح على مناطق دون أخرى في ارتفاع الطلب على تأجير المساكن وعلى سيارات الأجرة وترتفع عموما أسعار المعيشة والخدمات في الأحياء القريبة من المناطق السياحية التي غالبا ما تكون قرب الشواطئ.

- رغم حرص الدولة على تنويع الأنشطة السياحية إلا أن الشواطئ تبقى الوجهة الرئيسية للسياح أوروبيين كانوا أو مغاربة أو عرب فتبقى المناطق الداخلية شبه فارغة من السياح رغم توفر النزل التي صرفت عليها الأموال دون أن تقوم بدورها كاملا.

الخاتمة :

إن العناية بالقطاع السياحي والمراهنة عليه خيار اقتصادي له إيجابياته مثلما له سلبياته ويبدو أن التنافس مع أطراف متوسطية قادر على تحريك هذا القطاع في اتجاه الأفضل. فهل تنجح تونس في تطوير هذا القطاع وجعله يستقطب سياحا أكثر ثراء؟


دروس التاريخ

- الدرس 1: الحرب العالمية الأولى الأسباب وأبرز النتائج


- الدرس 2: الحركة الوطنية التونسية في العشرينات


- الدرس 3: الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات


- الدرس 4: أسباب الحرب العالمية الثانية


- الدرس 5: نتائج الحرب العالمية الثانية


- الدرس 6: الحرب الباردة


- الدرس 7: تحرر الشعوب المستعمرة


- الدرس 8: القضية الفلسطينية


- الدرس 9: الحركة الوطنية التونسية من 1945 إلى 1956


- الدرس 10: تونس من 1956 إلى 1987


- الدرس 11: الحركة الوطنية الجزائرية


- الدرس 12: الحركة الوطنية المغربية


- الدرس 13: الحركة الوطنية الليبية