الدرس 7: التنمية الصّناعيّة بالبلاد التونسيّة

المقدمة:

يشغل القطاع الصناعي في تونس 34 % من اليد العاملة ويوفر 28.6 % من الناتج الداخلي الخام. فبعد أن كان يعتمد على الصناعات التقليدية وبعض الصناعات الاستخراجية شهد تحولات هامة بعد الاستقلال غيرت نسيج الصناعة في عدة مناطق من البلاد. فما هي توجهات الدولة التونسية في هذا القطاع بعد الاستقلال؟ وما هي مميزات الإنتاج الصناعي التونسي؟ وما هي التحولات التي شهدها المجال الصناعي التونسي؟

I- سياسة التصنيع وتنمية الحرف بالبلاد التونسية بعد الاستقلال:

1. التنمية الصناعية في الستينات:

قررت تونس خلال الفترة بين 1962 و1971 تطبيق سياسة التعاضد في القطاعين الفلاحي والصناعي فكان نصيب الصناعة من هذه السياسة انشاء أقطاب صناعية موزعة على كامل جهات البلاد فأنشئ معمل للسكر بباجة وآخر للورق وعجين الحلفاء بالقصرين وركز بجهة بنزرت قرب مينائها معمل لتكرير النفط وعلى ضفاف بحيرتها بجهة منزل بورقيبة معمل الفولاذ. أما قابس فركز فيها مركب كيميائي لتحويل الفسفاط.

2. العناية بتنمية الحرف التونسية بعد الاستقلال:

تعتبر الصناعات الحرفية موروثا وطنيا كان في عهد الاستعمار يعاني من حدة منافسة المنتوجات الأوروبية له. لذلك حرصت الدولة بعد الاستقلال وفي إطار الربط بين قطاع السياحة الذي يتم تنشيطه وقطاع الصناعات الحرفية الذي يعتبر من بين أبرز اهتمامات السياح الذين يزورون البلاد التونسية اتخذت الدولة قرار انشاء الديوان القومي للصناعات التقليدية في فيفري 1965 وينص هذا القرار على تنمية الابتكار والبحث ببعث صندوق للغرض وصنع النماذج وتنظيم المسابقات. كما ينص على تحسين الجودة بضبط المقاييس والمراقبة الفنية للمؤسسات الحرفية. إلى جانب إعداد دراسات ومرصد الصناعات التقليدية والتخطيط. وقد حافظت المناطق والمدن على اختصاصاتها التي تظهر من خلال الخريطة وساهمت السياحة في تنشيط العديد منها.


المجال الفلاحي التونسي

3. التنمية الصناعية في السبعينات:

خلال هذه المرحلة تغيرت سياسة الدولة جذريا فقد كلفتها سياسة التعاضد عبءا عموميا ثقيلا لم تعد قادرة على المواصلة فيه لذلك توجهت نحو تطبيق سياسة ليبرالية تشجع الخواص القوميين أو الأجانب على الاستثمار في الصناعات الخفيفة ذات رأس المال المحدود والمشغلة لليد العاملة بكثافة مثل قطاع النسيج والصناعات الغذائية ..

ازدهارالمبادرة الخاصة وازدهارالصناعات التصديرية معها وتشجيع الدولة على اللامركزية الصناعية عبر سن العديد من التشريعات بهذا الخصوص قصد تنمية الجهات الداخلية.

4. تطور الاستثمارت في الصناعات المعملية في تونس منذ الثمانينات:

منذ منتصف السبعينات تغيرت الأوضاع خاصة مع تراجع أسعار النفط والفسفاط فاضطرت الدولة إلى اعتماد سياسة الاصلاح الهيكلي منذ 1986 من خلال الخوصصة الكلية أو الجزئية لعديد المؤسسات العمومية وقد تزامنت هذه السياسة مع تراجع مداخيل الدولة وعجزها عن احداث مواطن شغل قارة في القطاعين العام والخاص.وبإمضاء اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في 17 جويليا 1995 والتي تقضي بتركيز منطقة للتبادل الحر خلال مرحلة انتقالية لمدة 12 سنة كان لابد من وضع برنامج لتأهيل المؤسسات الصناعية تم اقراره خلال السنة الموالية قصد مساعدة المؤسسات الصناعية على تحسين قدراتها التنافسية.

لجوء العديد من المؤسسات التي تمت خوصصتها إلى تسريح عدد كبير من العمال أو إحالتهم على التقاعد المبكر.

II- مميزات الانتاج الصناعي بالبلاد التونسية:

1. أهمية الصناعات الاستخراجية:

- المحروقات من نفط وغاز طبيعي فقد شرعت تونس في استخراج النفط والغاز الطبيعي منذ سنة 1966 بمساعدة شركات أجنبية انطلاقا من حقل البرمة في أقصى الجنوب الغربي وهو لا يزال إلى اليوم أهم الحقول المستغلة رغم تعدد الحقول المكتشفة والمستغلة إلا أن الانتاج لا يغطي الحاجيات.

- الفسفاط كان من أكثر المواد المنجمية التي تم استغلالها في عهد الاستعمار منذ سنة 1900 وتتركز مناجم الفسفاط في جهة قفصة (المضيلة – الرديف – المتلوي- أم العرايس) وقد ارتفع انتاجه من2.1 مليون طن سنة 1956 إلى 8.1 مليون طن سنة 2010 وخلال سنة 2011 انهار الانتاج لكثرة الاحتجاجات الشعبية والنقابية إلى أقل من 3 ملايين طن وبقي إلى سنة 2023 لا يتجاوز هذه الكمية إلا نادرا. يتم تصدير نسبة هامة من الانتاج ويتم تحويل نسبة ضئيلة منه في صفاقس منذ 1952 وفي قابس منذ 1972 وفي المضيلة منذ 1985 وفي الصخيرة منذ 2013.

- الحديد الخام استغلت مناجم الحديد في الشمال الغربي بكثافة في العهد الاستعماري لكن انتاج هذه المناجم أصبح غير منتظم بين 150 ألف و330 ألف طن فلا يكفي لتلبية حاجيات مصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة الذي يلجأ كذلك إلى تحويل "الخردة" التي يتم تجميعها من كل مناطق البلاد.

- الرصاص والزنك يتم استخراجهما من مناجم يتركز أغلبها في التل العالي.

- مواد البناء كالجبس الذي يقارب انتاجه المليون طن ويوجه أكثر من 80 % منه للسوق الداخلية والاسمنت حيث تملك تونس 9 مصانع للإسمنت تم بيع 5 منها منذ سنة 1998 لشركات أجنبية 8 تنتج الاسمنت الرمادي وواحدة تنتج الاسمنت الأبيض ويوفر قطاع مواد البناء أكثر من 4000 موطن شغل.

- الملح بلغت أقصى كميات انتاجه سنة 2018 2.1 مليون طن يتم تصدير أكثر من 80 % منه.

2. تنوع منتوجات الصناعات الغذائية:

يعتبر قطاع الصناعات الغذائية أهم قطاع صناعي في البلاد حيث تتعدد المنتوجات الغذائية المصنعة التي توفرها 1100 مؤسسة أهمها العجين والحليب والسكر والزيوت ومشتقات كل منها إلى جانب المعلّبات الغذائية للخضر والغلال ومنتوجات البحر وكذلك المشروبات بكل أصنافها ...وهي تتوزع على أغلب المدن وخاصة العاصمة والمدن الكبرى الساحلية ويخصص جزء من الانتاج للتصدير.

3. تطور صناعات النسيج والملابس الجاهزة:

يعد قطاع النسيج أكثر من 2150 مؤسسة 60 % منها يوجه انتاجها للتصدير رغم أن 48 % منها ذات رأس مال تونسي و16 % مشترك وتتركز هذه المؤسسات في المدن الساحلية وخاصة العاصمة ومنطقة الساحل وهي من أكثر الصناعات المشغلة لليد العاملة وخاصة النسائية فهو يشغل 8.8 % من النشيطين التونسيين.

4. أهمية الصناعات الميكانيكية والصناعات الكهربائية والإلكترونية:

شهدت هذه الصناعات تطورا هاما فهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث الاستثمارات الصناعية بعد الصناعات الغذائية وصناعة مواد البناء والخزف والبلور إلا أنها أول قطاع مصدر في تونس وذلك بتحقيقها لـ45 % من الصادرات الصناعية و37.4 % من مجموع الصادرات نظرا للقيمة العالية لانتاجها وتتركز أغلب المؤسسات الصناعية في المناطق الصناعية للعاصمة ولصفاقس والعديد من المدن الساحلية.

III- المجال الصناعي التونسي وتحوّلاته:

1. المجال الصناعي التونسي في الستينات والسبعينات:

- خلال الستينات حرصت الدولة التونسية على تطبيق سياسة اللامركزية التصنيعية من خلال تركيز مصانع في كل مناطق البلاد. إلا أن هذه السياسة توقفت مع توقف مرحلة التعاضد.

- منذ بداية السبعينات ظهر الأثر البالغ لتخلي الدولة عن تنمية المناطق الداخلية فقد ترك مجال التصنيع للخواص فاختاروا المناطق الساحلية التي تتوفر فيها أغلب التجهيزات والخدمات الأساسية.

احتكار المناطق الساحلية لحوالي 90 % من المؤسسات ومن مواطن الشغل في القطاع الصناعي.

2. تحولات المجال الصناعي التونسي منذ الثمانينات:


خريطة المجال الصّناعي التونسي

- لم يكن توفر تجهيزات البنية التحتية والخدمات الأساسية السبب الوحيد لتمركز الصناعيين على الساحل الشرقي بل إن العوامل البشرية ساهمت كذلك في تعميق التفاوت بين المناطق الساحلية والمناطق الداخلية فتوفر اليد العاملة والسوق الاستهلاكية كان لهما أثر مباشر على خيارات الصناعيين.

- للتخفيف من الضغط الحاصل على الاستثمار في العاصمة شجعت الدولة من خلال الامتيازات الجبائية على تركيز مشاريع صناعية تبعد عنها مسافة تتراوح بين 30 و60 كم فكان التوجه نحو بنزرت ونابل وزغوان وباجة.

تراجع نصيب تونس الكبرى من مجموع الاستثمارات في القطاع الصناعي.

- نمو متزايد لنصيب منطقة الساحل في مجال التصنيع منذ ستينات القرن العشرين مع تنوع كبير للصناعات التي تم تركيزها في هذه المنطقة وقد ساعد على هذا النمو كثرة المدن وقربها من بعضها.

- كما حصلت منطقة صفاقس على نصيبها من حركة التصنيع فتضخم حجم المدينة دون أن يسمح بنمو مدن أخرى قريبا منها باستثناء الصخيرة وهي تقريبا نفس الوضعية في قابس حيث تتسبب المشاكل البيئية للمركب الكيميائي في تذمر شعبي متواصل.

- أما المناطق الداخلية فهي ثرية بالموارد الطبيعية وتنتظر الاستثمارات الكفيلة باستغلالها وخاصة بتجهيزها بالبنية التحتية التي تمكن من ذلك.

بعد 60 سنة من انطلاق حركة التصنيع في تونس نجد الوضع لم يتغير كثيرا فهو يسير ببطئ نحو المناطق الداخلية في توجه تلقائي هروبا من المناطق الساحلة المكتظة والمرتفعة الكلفة.

الخاتمة :

لقد توفرت لتونس خلال الستينات فرصة للاستثمار في عديد الثروات وانجاز مشاريع لم تكن في متناول الخواص إلا أن ارتفاع كلفة هذه المشاريع وتغير سياسة الدولة نحو المنهج الليبرالي كان سببا في معاناة كل مناطق البلاد من مشاكل متباينة حسب الجهات. فما هي المشاكل التي تعاني منها المناطق الساحلية الشرقية؟ وما هي المشاكل التي تعاني منها المناطق الداخلية؟


دروس التاريخ

- الدرس 1: الحرب العالمية الأولى الأسباب وأبرز النتائج


- الدرس 2: الحركة الوطنية التونسية في العشرينات


- الدرس 3: الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات


- الدرس 4: أسباب الحرب العالمية الثانية


- الدرس 5: نتائج الحرب العالمية الثانية


- الدرس 6: الحرب الباردة


- الدرس 7: تحرر الشعوب المستعمرة


- الدرس 8: القضية الفلسطينية


- الدرس 9: الحركة الوطنية التونسية من 1945 إلى 1956


- الدرس 10: تونس من 1956 إلى 1987


- الدرس 11: الحركة الوطنية الجزائرية


- الدرس 12: الحركة الوطنية المغربية


- الدرس 13: الحركة الوطنية الليبية