الدرس 4: التنمية الإقتصاديّة بالمغرب العربي

المقدّمة:

انتهجت دول المغرب العربي سياسات مختلفة لتنمية اقتصادها فمنها من اعتمدت على ثرواتها الطاقية والمنجمية مثل الجزائر ومنها من اعتمدت على مواردها المائية لتنشيط فلاحتها إلى جانب عنايتها بالصناعات الخفيفة مثل المغرب الأقصى. فما هي خصائص التجربتين التنمويتين في كل من الجزائر والمغرب الأقصى؟ وما هي نتائجهما الاقتصادية والاجتماعية؟

I- التجربة التنموية في الجزائر وحصيلتها:

1. سياسة التنمية الصناعية في الجزائر:


خريطة المجال الصّناعي والبنية التحتيّة بالجزائر

- منذ استقلالها إلى السبعينات اهتمت الدولة الجزائرية بإقامة نسيج صناعي متكامل يشمل الصناعات الثقيلة والوسيطة والصناعات الاستهلاكية بالاعتماد على ثروة هائلة من النفط والغاز الطبيعي إلى جانب الحديد. فتم انجاز مشاريع صناعية ضخمة على شكل أقطاب صناعية ومجمعات كيميائية وأخرى للحديد والصلب وقد استعانت بالشركات المتعددة الجنسيات لتحقيق أغلب هذه المشاريع.

لقد ساهمت هذه السياسة التنموية في تجهيز البلاد إلا أنها لم تكن مشغلة لليد العاملة بالقدر الكافي مما اضطر الدولة لإعادة النظر فيها.

- خلال الثمانينات غيرت الجزائر سياستها التصنيعية في اتجاه تطوير الصناعات الاستهلاكية الخفيفة مثل الصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات التي لا تتطلب رأس مال ضخم لكنها تشغل يد عاملة قليلة الكلفة. وهو ما يعني التوجه أكثر نحو خوصصة المشاريع الصناعية. ولتلبية حاجيات هذه الاستثمارات الخاصة كان على الدولة الاعتناء بعدة قطاعات اجتماعية موازية كالتعليم والنقل والمواصلات والصحة والإسكان...

- ومع النصف الثاني من التسعينات قبلت الجزائر بسياسة الاصلاح الهيكلي فخفضت في قيمة عملتها ودعمت الخوصصة وحدت من الاحتكارات كما اتجهت نحو رفع الدعم عن المواد الأساسية والانفتاح على اقتصاد السوق. وفي 22 أفريل 2002 تم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على فتح الأسواق الأوروبية أمام الانتاج الجزائري الذي يحترم المواصفات الأوروبية.

2. سياسة التنمية الفلاحية:


خريطة المجال الفلاحي الجزائري

- منذ استقلال الجزائر واسترجاعها لأراضي المعمرين أصبحت الدولة المشرف الرئيسي على عملية الانتاج بواسطة لجان التسيير العمالية والتي بدورها تشرف على تعاونيات الانتاج وبذلك تكون الجزائر قد طبقت نظام انتاج اشتراكي مكن من تحسين الانتاج في كل المجالات الفلاحية إلا أن المردود بقي ضعيفا ولا يلبي حاجيات الاستهلاك الوطني خاصة في مجال الحبوب.

- خلال الثمانينات وخاصة التسعينات توجهت الدولة نحو تشريك الخواص في الانتاج الفلاحي فتحسن المردود لكن الظروف الطبيعية لم تمكن الفلاحين من تحقيق الاكتفاء من كل المنتوجات الفلاحية.

3. حصيلة التنمية في الجزائر:

- على المستوى المجالي والبيئي تمكنت الجزائر من توسيع مجال استغلال ثرواتها المنجمية والطاقية لكن الصناعات الثقيلة تسببت في تلوث بيئي خطير في عديد المدن مثل سكيكدة في الشمال الشرقي التي تضررت شواطئها وموائدها السطحية إلى جانب هوائها.

- على المستوى الاقتصادي حقق كل من الانتاج الفلاحي والصناعي تطورا هاما إلا أن الجزائر لم تتمكن إلا مؤخرا من تحقيق اكتفائها من حديد وأسلاك البناء دون بقية المنتوجات . أما في المجال الفلاحي فهي لا تزال في حاجة إلى الاستيراد خاصة بالنسبة للحبوب فهي تستورد حوالي ثلثي حاجياتها من القمح من فرنسا وكندا. وقد سجل الميزان الفلاحي عجزا كاملا ولم يتحقق الفائض التجاري العام إلا بتصدير المحروقات سواء كانت خاما أو مكررة.

- على المستوى الاجتماعي تحسن معدل الدخل الفردي السنوي رغم أنه لا يزال بعيدا عن معدل الدخل الفردي السنوي الليبي وقد تحسن معه مستوى العيش وتجاوز أمل الحياة السبعين سنة (73 سنة) إلا أن النمو الاقتصادي لا يغطي الحاجيات الاجتماعية فنسبة البطالة لا تزال عالية مما يدفع الشباب الجزائري نحو الهجرة بكل أشكالها.

لقد تحملت الدولة الجزائرية عبء التنمية الفلاحية والصناعية لعشرات السنين ولم تتمكن من تحقيق أهدافها المرسومة وهي تحقيق الاكتفاء من المواد المنتجة.

II- تنوع الخيارات التنموية في المغرب الأقصى وحصيلتها:

1. التركيز على النشاط الفلاحي:

بحكم افتقار المغرب الأقصى للثروة الطاقية وثرائه النسبي بالموارد المائية وجه اهتمامه منذ الاستقلال نحو تنمية الانتاج الفلاحي من خلال توفير الظروف الملائمة لتطويره وخاصة منها تهيئة السدود الكفيلة بتعبئة كمية هامة من المياه تغطي حاجيات الفلاحين صغارا كانوا أو متوسطين أو كبارا فإلى جانب الزراعات البعلية التي تشغل 82 % من الريفيين تطورت الزراعات السقوية لكل المنتوجات التي يمكن أن يوفرها المناخ المغربي وتوفر 75 % من الصادرات الفلاحية المغربية إلى جانب الباكورات التي لم تعد مخصصة للتصدير مثلما كانت في السابق.


خريطة المجال الفلاحي بالمغرب الأقصى

2. أهمية الصناعات الخفيفة:

في المجال الصناعي شجعت الدولة على تركيز الصناعات الخفيفة المشغلة لليد العاملة في عديد المجالات مثل النسيج والملابس والصناعات الغذائية إلى جانب صناعات أخرى استهلاكية مثل صناعة مواد البناء والبلاستيك ومواد التنظيف وصناعات أكثر تطورا مثل تركيب السيارات وصناعة الأدوية ...كما اتجهت الدولة نحو تثمين الفسفاط بتطوير صناعة الأسمدة الفسفاطية. وقد استفاد القطاع الصناعي المغربي كثيرا من الاستثمارات الأجنبية نظرا لأهمية التشجيعات التي تقدمها الدولة للمستثمرين الأجانب.


خريطة المجال الصّناعي والسّياحي في المغرب الأقصى

3. أهمية النشاط السياحي:

يتمتع المغرب الأقصى بمشاهده الطبيعية الجذابة والمبهرة للسياح الأوروبيين خاصة فهو يحوي تناقضات مناخية من الجبال المكسوة بالثلوج إلى الصحاري المغطاة بالكثبان الرملية فكان وجهة ملايين السياح سنويا فارتفعت طاقة إيواء النزل من 61 ألف سرير سنة 1985 إلى 103 آلاف سرير سنة 2002 ويعتبر قطاع السياحة موردا هاما للعملة الصعبة وخاصة منها الأورو ثم الدولار كما أنه منشط هام للصناعات التقليدية ففي مراكش لمفردها ينشط 120 ألف حرفي ويمثل الموروث البربري الأمازيغي أفضل أرضية للإنتاج التقليدي.وقد ارتفعت عائدات السياحة من 0.6 مليار دولار سنة 1985 إلى 2.9 مليار دولار سنة 2002 وأكثر من 7 مليار دولار خلال سنة 2023.

4. حصيلة التنمية في المغرب الأقصى:

- على المستوى المجالي والبيئي تسببت الصناعات الاستخراجية للفسفاط وغيره في تلوث كبير للوسط الطبيعي بكل مكوناته (هوائه ومائه وتضاريسه وتربته ونباته وأنهاره...)

- على المستوى الاقتصادي تحققت نسب نمو هامة في كل القطاعات لكنها غير مضمونة الدوام وتعاني الأنشطة الاقتصادية من تركزها في بعض المناطق دون غيرها فالصناعات أغلبها ركزت على السواحل أما السياحة فازدهرت في المدن العتيقة مثل مراكش والرباط وورزازات وفاس وأغادير...وأما الفلاحة فهي كذلك تتطلب كميات هامة من المياه لأن الفلاحة السقوية هي التي يوجه انتاجها للتصدير. ورغم كل التضحيات فإن الميزان التجاري المغربي عاجز ويتفاقم عجزه من سنة إلى أخرى ويتسبب في ارتفاع قيمة الدين الخارجي.

- لقد تمكنت الأنشطة الاقتصادية من تشغيل نسبة عالية من اليد العاملة إلا انها تبقى كلها قطاعات تشغيل هشة ولا تقدر على توفير مواطن شغل كافية ودائمة إما لارتباطها بالأوضاع الأمنية أو الظروف العالمية أو الظروف الطبيعية أو لضعف مداخيلها فمعدل الدخل الفردي السنوي تضاعف حوالي 4 مرات بين 1993 و 2005 لكنه أضعف من معدل الدخل الفردي السنوي في الجزائر. كما أن مؤشر التنمية البشرية سجل ارتفاعا هاما لكنه بقي إلى بداية القرن XXI يحتل المرتبة الرابعة مغربيا قبل موريتانيا. ورغم تراجع نسبة البطالة فإنها لا تزال مرتفعة خاصة في صفوف أصحاب الشهادات العليا والنساء وقد بلغ معدلها 13.5 % سنة 2023.

الخاتمة :

لقد سلكت كل من الجزائر والمغرب الأقصى سياسة تنموية متباينة بحكم اختلاف ظروفهما الطبيعية ورغم صعوبة المسار الذي اتبعته الجزائر فإن العديد من المؤشرات تأكد الأثر العميق للثروة الطاقية على قدرة الدولة على فرض النظام الاقتصادي الذي تتبناه وإمكانية نجاحها في تحسين مستوى العيش والتحكم في البطالة. فهل تنجح هاتان الدولتان في القضاء على البطالة فيهما دون تغيير منوالهما التنموي؟


دروس التاريخ

- الدرس 1: الحرب العالمية الأولى الأسباب وأبرز النتائج


- الدرس 2: الحركة الوطنية التونسية في العشرينات


- الدرس 3: الحركة الوطنية التونسية في الثلاثينات


- الدرس 4: أسباب الحرب العالمية الثانية


- الدرس 5: نتائج الحرب العالمية الثانية


- الدرس 6: الحرب الباردة


- الدرس 7: تحرر الشعوب المستعمرة


- الدرس 8: القضية الفلسطينية


- الدرس 9: الحركة الوطنية التونسية من 1945 إلى 1956


- الدرس 10: تونس من 1956 إلى 1987


- الدرس 11: الحركة الوطنية الجزائرية


- الدرس 12: الحركة الوطنية المغربية


- الدرس 13: الحركة الوطنية الليبية