الدرس 10: تونس من 1956 إلى 1987

المقدمة:

بعد استقلال البلاد التونسية يوم 20 مارس 1956 اتخذت الدولة العديد من الاجراءات لتعصير أجهزتها وتحديث المجتمع وتنمية الاقتصاد. فما هي الاجراءات التي اتخذت في كل هذه القطاعات؟

I- بناء الدّولة واستكمال السّيادة:

1. بناء الدولة:

أ. تركيز النظام الجمهوري:

- احداث المجلس القومي التأسيسي بأمر من الباي صادر يوم 29 ديسمبر 1955 وقد أنتخب أعضاؤه يوم 25 مارس 1956 وقد دعي هذا المجلس لوضع دستور للبلاد يوم 8 أفريل 1956. كما تولى المجلس تكوين أول تشكيلة وزارية بعد الاستقلال يترأسها الحبيب بورقيبة.

- إعلان الجمهورية يوم 25 جويليا 1957 من قبل المجلس القومي التأسيسي وتعيين الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية.

- اصدار أول دستور بعد الاستقلال يوم 1 جوان 1959 يحتوي على 78 فصلا تم خلالها توضيح العلاقة بين الشعب والسلطة الحاكمة من خلال نظام حكم يفصل بين السلطات الثلاث كما وضح علاقة الدولة التونسية بمحيطها المغربي والإفريقي والعربي إلى جانب انفتاحها على دول حوض المتوسط وقد تم اعتماد فصول هذا الدستور لاستكمال سيادة الدولة.

ب. تونسة دواليب الدّولة:


تونسة دواليب الدّولة

ج. الحدّ من التّبعيّة الاقتصاديّة لفرنسا:

- تأميم القطاعات الحيوية مثل السكك الحديدية والمواني إلى جانب شركات انتاج وتوزيع المياه والكهرباء والغاز.

- الحد من التبعية المالية بإحداث البنك المركزي التونسي وإصدار الدينار التونسي وضبط قيمته.

- الغاء الوحدة الجمركية مع فرنسا منذ 20 أوت 1956 وهي وحدة تعود الى سنة 1928.

2. استكمال السيادة:

- انضمام تونس للأمم المتحدة يوم 12 نوفمبر 1956 وربط علاقات بعديد الدول من كل أنحاء العالم. وقد ساعدها ذلك على استكمال سيادتها باللجوء عند الحاجة إلى هذه المنظمة الأممية.

- اكمال الجلاء العسكري بمغادرة آخر جندي لبلادنا يوم 15 أكتوبر 1963 بعد خوض معركتي رمادة في 25 ماي 1958 وخاصة بنزرت في جويليا 1961 التي سقط خلالها آلاف الضحايا بين قتيل وجريح وتم إيقافها بقرار من مجلس الأمن يوم 22 جويليا.

كما اهتمت الدولة بالجلاء الزراعي الذي تقرر يوم 12 ماي 1964 أي بعد 83 سنة من ابرام معاهدة باردو التي فتحت البلاد أمام الاستعمار الفرنسي فقامت بتصفية أراضي المعمرين بالشراء أو التأميم.

II- تحديث المجتمع التونسي:

1. توحيد القضاء وتطويره:

- منذ 1 جويليا 1956 تم توحيد القضاء في تونس وإلغاء كل أشكاله السابقة التي يتم فيها التمييز على أساس ديني أو عرقي مثلما كان يحدث في فترة الاستعمار.

- وقد ساعد عليه اصدار مجلة الأحوال الشخصية وإصدار المجلة الانتخابية إلى جانب العديد من القوانين التي وفرتها السلطة التشريعية.

2. اصدار مجلّة الأحوال الشخصية والمجلّة الانتخابيّة:

- صدرت مجلة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت 1956 فمنعت تعدد الزوجات وفرضت اللّجوء الى المحاكم عند الطلاق الذي أعتُبِر حقّا للمرأة والرّجل، كما اشترطت هذه المجلة رضاء كلا الزوجين عند عقد القران وسمحت بالتبني وراجعت قانون الإرث وقد تمت كل هذه المراجعات بالاعتماد على الفقه الاسلامي وبالاستعانة بالقوانين الوضعية.

- كما مكّنت المجلة الانتخابيّة المرأة من التّمتّع بكلّ حقوقها السّياسية والمدنيّة.

أصبحت المرأة تساهم إلى جانب الرّجل في بناء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية للبلد بفضل ارتقائها إلى أعلى الدّرجات في سلم التعليم.

3. توحيد التعليم وتطويره:

- صدر القانون الأساسي للنظام التربوي في 4 نوفمبر 1958 .

- حدد هذا القانون الدور الأساسي للتعليم العمومي المجاني الموحّد لكلّ التّونسيين وهو إعداد الأطفال للقيام بدورهم كمواطنين في المجتمع من خلال تخصصاتهم في كل المجالات التي يحتاجها.

- انشاء المؤسّسات التربويّة بكل مستوياتها وخاصة منها مؤسّسات التعليم الابتدائي وارتفاع عدد الوافدين عليها.


تطوّر عدد التّلاميذ في تونس بين 1956 و1966

ارتفاع نسبة التمدرس من حوالي 60 % سنة 1966 إلى حوالي 76 % سنة 1984 مقابل تراجع نسبة الأمية من حوالي 68 % سنة 1966 إلى حوالي 46 % سنة 1984.

- ادراج اللغات الأجنبية منذ مرحلة التعليم الابتدائي دون اعتبار لغات أخرى اختيارية في نهاية مرحلة التعليم الثانوي.

- تنويع المواد الدراسية وتمكين التلميذ من تحقيق أفضل خياراته التوجيهية لمواصلة تعليمه الجامعي .

حقق التعليم في تونس في فترة ما بعد الاستقلال نجاحا كبيرا ساهمت فيه إطارات تعليمية أجنبية تتقن اللغة الفرنسية إلى جانب الإطارات التعلمية الوطنية ومكنت بعض العناصر من الارتقاء إلى أعلى درجات التعلم في الداخل والخارج.

III- التجارب التنموية وحصيلتها:

1. تجربة التعاضد خلال الستينات:

- تم التخطيط لتطبيقها خلال العشرية بين 1962 و1971.

- وهي تتمثل في تدخل الدولة بصفة مكثفة في التنمية الاقتصادية دون القضاء على المشاريع الخاصة.

- ففي المجال الفلاحي تم انشاء تعاضديات نموذجية بالاعتماد على أراضي المعمرين التي تم استردادها إلى جانب انشاء تعاضديات أخرى بتجميع ملكيات الفلاحين الصغار كما تم انشاء تعاضديات خدمات قصد توفير مستلزمات الانتاج الفلاحي وتطويره.

وجدت سياسة التعاضد مقاومة كبيرة لما تقرر تعميمها سنة 1969 لما شابها من فساد إداري ونقص في الشفافية فتم التخلي عنها في القطاع الفلاحي.

- أما في المجال الصناعي فقد تحملت الدولة بمفردها عبء انشاء مشاريع تنموية في أغلب مناطق البلاد أو استعانت برؤوس أموال دولية مثلما فعلت عند انشاء مصنع تكرير النفط ببنزرت فقد استعانت برأسمال إيطالي وقد خصصت الدولة 28 % من استثمارات المخطط العشري قصد انشاء أقطاب صناعية إقليمية تمكن من تنمية الجهات التي ركزت فيها. فإلى جانب مصنع تكرير النفط نجد كذلك مصنع الفولاذ في منزل بورقيبة ومصنع السكر في باجة ومصنع الورق عجين الورق في القصرين والمركب الكيميائي بغنوش (قابس).

كانت تكاليف انشاء هذه المؤسسات الصناعية عالية جدا إلا أنها وفرت انتاجا متنوعا يتم تصدير البعض منه مثل النفط والفسفاط لكن فشل تجربة التعاضد في القطاع الفلاحي جعل الدولة تتخلى عنها كذلك في القطاع الصناعي بتطبيق سياسة ليبرالية منذ بداية السبعينات.

2. تجربة تنموية ليبرالية منذ بداية السبعينات:

بقيت الدولة أهم مستثمر في المشاريع الكبرى إلا انها غيرت سياستها في اتجاه تطبيق سياسة تنموية ليبرالية من خلال:

- حل التعاضديات الفلاحية وتعاضديات الخدمات وارجاع الملكيات لأصحابها إذا تمكنوا من اثبات تلك الملكية.

- التفويت في جزء من أراضي الدّولة لفائدة الخواص للاستثمار في استغلالها.

- تشجيع الخواص القوميين أو الأجانب على الاستثمار في الصناعات الخفيفة ذات رأس المال المحدود والمشغلة لليد العاملة بكثافة مثل قطاع النسيج والصناعات الغذائية ..

- تشجيع الخواص القوميين أو الأجانب على الاستثمار في السياحة.

لقيت هذه السياسة نجاحا كبيرا في بداية السبعينات حيث كانت الظروف الطبيعية ملائمة إلى جانب الظروف العالمية على مستوى أسعار النفط والفسفاط إلا أنه منذ منتصف السبعينات تغيرت الأوضاع خاصة مع تراجع أسعار النفط والفسفاط فاضطرت الدولة إلى اعتماد سياسة الاصلاح الهيكلي منذ 1986.

3. الحصيلة:

- اقتصاديا: أصبحت الأنشطة الاقتصادية أكثر تنوعا مما كانت عليه في الفترة الاستعمارية وازداد هذا التنوع خلال الفترة التنموية الليبرالية إلا أن الاعتماد على الصناعات الخفيفة ساهم في انتاج مجتمع استهلاكي وفي المقابل فإن النقص الكبير في الصناعات الثقيلة ساهم في تعطيل فرص ايجاد التوازن على مستوى تجهيز أقاليم البلاد.كما أن غياب الاستثمار في الصناعات المتطورة جعل قيمة الواردات تتفوق على قيمة الصادرات وتتسبب في عجز هيكلي للميزان التجاري وبالتالي لميزانية الدولة التي تلجأ للاقتراض الداخلي والخارجي حسب الظروف.

- اجتماعيا: نجحت الدولة في تطبيق سياسة تنظيم الانجاب فانخفض النمو الطبيعي للسكان وتحسن مستوى العيش في المدن والأرياف بتحسن المستوى التعليمي وظهور العديد من الخدمات إلا أن نقص النمو الاقتصادي وعدم توفر كل الاختصاصات تسبب في ارتفاع نسبة البطالة ونسق الهجرة الخارجية كما احتد التفاوت بين الفئات الاجتماعية وكذلك بين الأقاليم.

الخاتمة :

دخلت البلاد التونسيّة تجربة التّعاضد دون أن توفر لها مستلزماتها مما تسبب في فشلها فعاد ذلك بالوبال على الاقتصاد والمجتمع وسلكت سياسة اقتصادية ليبرالية شديدة الارتباط بالخارج لكنها مكنت من تحسين مستوى عيش التونسيين إلى منتصف الثمانينات حيث ظهرت بوادر التّأزّم. فما هي السّياسة الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي سلكتها الدّولة مع السّلطة الجديدة التي أنهت العهد البورقيبي؟


دروس الجغرافيا

- الدرس 1: الوسط الطّبيعي بالمغرب العربي المزايا والضغوطات


- الدرس 2: الموارد الطّبيعيّة بالمغرب العربي


- الدرس 3: السكان والتنمية البشرية بالمغرب العربي


- الدرس 4: التنمية الاقتصادية بالمغرب العربي


- الدرس 5 : السكّان بالبلاد التونسيّة


- الدرس 6: التنمية الفلاحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 7: التنمية الصناعيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 8: التنمية السّياحيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 9: تنمية التجارة الخارجيّة بالبلاد التونسيّة


- الدرس 10: حصيلة التنمية بالبلاد التونسية