المقدمة:

شهد العالم خلال النصف الأول للقرن العشرين تطورات خطيرة بدأت بحرب كبرى بين أقوى الدول الأوروبية ثم تحولت إلى حرب عالمية دامت من سنة 1914 إلى سنة 1918. فما هي أسباب هذه الحرب؟ وما هي أبرز نتائجها؟

I- أسباب الحرب العالمية الأولى :

1. الأسباب العميقة:

- حدّة الصراع الاقتصادي بين الدول الاستعمارية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي شهدت تطورا صناعيا سريعا وأصبحت في حاجة كبيرة للمواد الأولية.

- عناية ألمانيا بأسطولها البحري لحماية مصالحها الخارجية مثلما حصل سنة 1911 حيث ضغط هذا الأسطول على فرنسا لجعلها تتخلى على مناطق من الكنغو مقابل تخلي المانيا عن مطامعها في المغرب الأقصى.

- نشأة تحالفات بين الدول الأوروبية منذ نهاية القرن XIX مثل الاتفاقية الفرنسية الروسية التي ابرمت سنة1891. ولن تأتي فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى إلا وقد ظهرت تحالفات قسمت أوروبا إلى وفاق ثلاثي و تحالف ثلاثي .

- حدّة التنافس العسكري بين الدول المصنعة الأوروبية في بداية القرن XX وخاصة منها المانيا (تضاعفت قيمة المصاريف العسكرية أكثر من 3 مرات بين 1905 و1914) وروسيا وبريطانيا وفرنسا.

2. الأسباب المباشرة:

- طموحات صربيا في تجميع اليوغسلاف الخاضعين للإمبراطورية النمساوية المجرية.

- اغتيال ولي العهد النمساوي وزوجته يوم 28 جوان 1914 في سراييفو عاصمة البوسنة (التي احتلتها النمسا سنة 1908) خلال استعراض عسكري.

- فشل الدول الأوروبية في امتصاص هذه الصدمة بحكم انقسامها الى شقين مستعدين للحرب.

- تحول حادثة الاغتيال إلى حرب أوروبيّة بإعلان ألمانيا الحرب على روسيا ثم على فرنسا وإعلان بريطانيا الحرب عليها كل ذلك تم بين اليوم الأول واليوم الرابع من أوت 1914.ثم إلى حرب عالمية بدخول اليابان فيها إلى جانب دول الوفاق منذ أوت 1914 في حين تأخر انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه المجموعة إلى أفريل 1917 مقابل انسحاب روسيا منها في ديسمبر من نفس السنة اثر قيام الثورة البلشفية فيها.

لقد وفرت الأسباب العميقة الظروف الملائمة لقيام الحرب وما كان اغتيال ولي العهد النمساوي إلا مؤشرا على قرب انطلاقها بحكم التحالفات القائمة بين الدول وخاصة الأوروبية وقد دامت هذه الحرب من سنة 1914 إلى 1918 وخلفت نتائج عديدة.

II- أبرز نتائج الحرب العالمية الأولى :

1. خسائر بشرية فادحة:

- خلفت الحرب العالمية الأولى أكثر من 9 ملايين قتيل يتفاوت توزعهم بين الدول المشاركة فيها ففي حين بلغ عدد القتلى الألمان مليوني شخص بين عسكريين ومدنيين قدر هذا العدد في روسيا 1.7 مليون وفي النمسا- المجر 1.5 مليون وفي فرنسا 1.4 مليون ولم يتجاوز 100 ألف من الأمريكيين واليابانيين.

- كما خلفت قرابة 15 مليون من الجرحى متفاوتي الأضرار والعجز 5 ملايين منهم في ألمانيا و4 ملايين في فرنسا ومليونان في بريطانيا.

2. انهيار الاقتصاد الأوروبي واستفادة الاقتصاد الأمريكي:

- تراجع الانتاج الصناعي في ألمانيا وفرنسا إلى الثلثين مقارنة بإنتاج سنة 1913.

- تراجع المساهمة الأوروبية في التجارة العالمية.

- نمو التداين تجاه الولايات المتحدة الأمريكية فقد استدانت بريطانيا أكثر من 4 مليار $ وفرنسا حوالي 3 مليار $ أما إيطاليا فبلغت ديونها 1.6 مليار$.

- استفادة الولايات المتحدة الأمريكية واليابان من انهيار الاقتصاد الأوروبي من خلال تطوير التصدير فتحسنت مساهمتهما في التجارة العالمية كما استفادت البنوك الأمريكية من القروض التي قدمتها للدول المتحاربة.

3. نتائج سياسية هامة وخطيرة:

- انعقاد مؤتمر للصلح في باريس يوم 28 جانفي 1919 ضم 32 دولة تزعمته الدول المنتصرة في الحرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية حيث اقترح رئيسها ولسن 14 بندا لتنظيم العلاقات الدولية.

- انبثقت عن هذا المؤتمر عدة معاهدات أبرزها:

وقد عوضت معاهدة سيفر بمعاهدة لوزان في جويليا 1923 إثر سقوط الخلافة العثمانية وتعويضها بالدولة التركية.

- حملت معاهدة فرساي ألمانيا مسؤولية الحرب والخسائر التي لحقت الدول الحليفة من جرائها فمُنعت من امتلاك جيش وتقلص حجمها لفائدة الدول المجاورة كما تخلت عن مستعمراتها لفائدة الحلفاء.

كانت هذه المعاهدة قاسية جدا على ألمانيا.

- تغير الخريطة الجغراسياسية لأوروبا فقد سقطت الامبراطوريات الألمانية والنمساوية المجرية والعثمانية والروسية وظهرت دول جديدة مثل الإتحاد السوفياتي وتركيا ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا وليتوانيا وليتونيا واستونيا وفنلندا وتقلص حجم بعض الدول مثل المانيا والنمسا والمجر مقابل توسع رومانيا وفرنسا التي استرجعت منطقة الألزاس- لورين من ألمانيا.

- نشأة جمعية الأمم بمقتضى البند 14 مـن نقاط ولسن فقـد كـوّن الرئيس الأمريكي لجنة ربـاعية وضعت ميثاقا لهـذه المنظمة الأممية تم اقراره في 28 أفريل 1919 وتهدف هذه المنظمة إلى وضع قانون دولي ينظم العلاقات الدولية ويحترم المعاهدات فيتم بذلك تجنب النزاعات المسلحة والحروب.

الخاتمة :

لقد خرجت الولايات المتحدة الأمريكية مستفيدة من نتائج الحرب العالمية الأولى وسباقة بإنشاء منظمة أممية ترعى الأمن العالمي. فهل تقدر هذه المنظمة الأممية على حل المشاكل العالقة التي خلفتها المعاهدات المبرمة لإنهاء الحرب العالمية الأولى وخاصة منها معاهدة فرساي؟