الدرس 5: السكّان بالبلاد التونسيّة
عناصر الدرس:
I- توزع سكان البلاد التونسية وحركيتهم المجالية:
2- خريطة الكثافات السكانية والمدن الهامة بالبلاد التونسية:
3- ارتفاع متواصل في نسبة التحضّر:
II- الحركية الديمغرافية وانعكاساتها:
1- تطور عدد سكان البلاد التونسية:
2- تراجع متواصل للنمو الطبيعي:
مقدمة المحور:
البلاد التونسيّة هي أصغر دول المغرب العربي لكن موقعها الاستراتيجي الذي يتوسط حوض البحر المتوسط جعلها محط أنظار العديد من الشعوب الذين استقرّوا فيها وقد ساهم ذلك في تنوع زادها الثقافي وبناء نسيج عمراني منذ التاريخ القديم.
فما هي الخصائص الحضارية وخاصة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد التونسية؟
حسب تقديرات سنة 2024 بلغ عدد سكان البلاد التونسية 12.5 مليون نسمة فيكون معدل الكثافة السكانية 76.4 س/ كم2 لكن هذا المعدل يخفي تفاوتا بين المناطق والولايات. كما يتمتّع المجتمع التونسي بخصائص ديمغرافية تميزه على بقية دول المغرب العربي. فكيف يتوزع سكان البلاد التونسية؟ وما هي خصائص حركيتهم المجالية والديمغرافية؟
I- توزع سكان البلاد التونسية وحركيتهم المجالية:
أكثر من ثلثي سكان البلاد التونسية مستقرون في الأقاليم الساحلية (68.4 %) وخاصة منها إقليم تونس الكبرى الذي يستقطب 22.7 % من سكان البلاد وإقليم الساحل والوسط الشرقي 22.5 %. أما الأقاليم الداخلية فلا تؤوي سوى أقل من الثلث (31.6 %) منها 25.9 % يتقاسمها بالتناصف الشمال والوسط الغربيين. ويرجع هذا التفاوت الحاد في توزع السكان بين الأقاليم الساحلية والأقاليم الداخلية إلى تدعم ظاهرة السوحلة بعد الاستقلال رغم محاولة الدّولة تركيز بعض المشاريع التنموية في المناطق الداخلية.
2. خريطة الكثافات السكانية والمدن الهامة بالبلاد التونسية:
- حسب هذه الخريطة فإن أهم الكثافات السكانية توجد على السواحل الشرقية وخاصة في إقليم تونس الكبرى ومنطقة الساحل وحول صفاقس أما بقية المناطق فتكون فيها الكثافات ضعيفة أو ضعيفة جدا.
- حسب الخريطة أيضا فإن أهم المدن هي عاصمة البلاد التي تعد أكثر من مليون نسمة وباعتبار كامل إقليم تونس الكبرى فإن عدد السكان يرتفع إلى 2.3 مليون نسمة حسب تقديرات سنة 2023. أما المدينة الثانية فهي مدينة صفاقس التي تعد أكثر من 350 ألف نسمة من مجموع أكثر من مليون نسمة في كامل الولاية. في حين تأتي سوسة في المرتبة الثالثة بأكثر من 220 ألف نسمة. كما توجد العديد من المدن الهامة الساحلية التي تؤوي أكثر من 100 ألف نسمة. أما المدن الداخلية الهامة فهي غالبا عواصم ولايات ويتراوح عدد سكانها بين 20 ألف و120 ألف نسمة.
3. ارتفاع متواصل في نسبة التحضر:
- إلى بداية الثمانينات كانت نسبة الحضر في البلاد التونسية أقل من نسبة الريفيين ومع إحصاء 1984 تفوقت نسبة الحضر على نسبة الريفيين بتسجيل 52.8 %. ومنذ ذلك التاريخ واصلت نسبة التحضر ارتفاعها فبلغت سنة 2004 حوالي 65 % (64.9 %) وسنة 2019 حوالي 70 %.
- لقد ساعد توفر العديد من الخدمات في المدن بما في ذلك الواقعة في الأقاليم الداخلية على تطور حركة الاستقرار فيها خاصة أن الفلاحة لم تعد قادرة على تشغيل عدد كبير من اليد العاملة مثلما كانت سابقا فإلى جانب استخدام التقنيات العصرية فيها نجد أجور العملة الفلاحيين لا تشجع خاصة الرجال على الاشتغال فيها بل يفضلون عليها العمل في قطاع البناء أو الصناعة أو الخدمات فيكون النزوح نحو المدن.
- لقد تسبب ارتفاع نسق التحضر خاصة في الأقاليم الساحلية في تدهور المنظومة البيئية فقد كان للضغط العمراني أثر سلبي مباشر على الغطاء النباتي إلى جانب التلوث الناتج عن تراكم النفايات المنزلية والصناعية والذي طال الأراضي فتسبب في اتلافها كما طال الشواطئ فجعلها غير صالحة للاستعمال أو الاستفادة من انتاجها ناهيك عن تدهور الإحيائي فيها.كما تسبب ارتفاع نسق التحضر خاصة في الأقليم الساحلية في المعاناة من الاكتظاظ ومشاكل عديدة أخرى مرتبطة به.
- تمثل الهجرة الداخلية منذ القديم حلا لمشكل يعترض مواطنين في أي منطقة من البلاد فقد كان انعدام الأمن مع قدوم قبائل بني هلال سببا في نزوح العديدين نحو المدن الساحلية. كما كان استيلاء المعمرين على الأراضي الفلاحية سببا في النزوح نحو المدن وخاصة العاصمة وكذلك الجفاف والحروب دون اعتبار أسباب أخرى ظرفية كالدراسة أو الاستشفاء أو العمل في اختصاص غير متوفر في الريف أو في مدينة داخلة صغيرة ...
- إن الهجرة الداخلية لا تقتصر على حركة النزوح التي بلغت أوجها خلال الستينات والسبعينات ولكنها تشمل تحركات متنوعة منها اليومية التي تتم بين المدن وتساعد عليها وفرة مسالك ووسائل النقل وتتم على مسافات متوسطة بين 60 و70 كم ومنها الأسبوعية وتهم التلاميذ والطلبة والعمال الشباب الذين لم يختاروا بعد مكان استقرارهم .كما تكون التحركات موسمية للعمل في جني الزيتون أو أي نشاط فلاحي موسمي آخر خلال العطل المدرسية أو الترفيه خلال العطل وفي الصيف كما توجد حركية متجهة من المدن الساحلية نحو المدن الداخلية قصد العمل في القطاعات العمومية التي توفرها الدولة لتنشيط المناطق الداخلية.
- وعموما مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين اتضحت معالم الحصيلة الهجرية بين الأقاليم فباستثناء إقليم تونس وإقليم الوسط الشرقي اللذان يتميزان بحصيلة إيجابية هامة وفي ارتفاع فإن بقية الأقاليم ذات حصيلة هجرية سلبية متفاوتة الأهمية لكنها في ارتفاع متواصل ولا يستثنى من هذه الأقاليم سوى إقليم الشمال الشرقي دون تونس الذي أصبح ملاذا لسكان العاصمة مع بداية القرن الواحد والعشرين حيث أصبح يستقطب العديد من المشاريع الصناعية والخدماتية وخاصة منها الترفيهية في نابل وبنزرت.
II- الحركية الديمغرافية وانعكاساتها:
1. تطور عدد سكان البلاد التونسية:
تقتصر دراسة تطوّر عدد سكّان البلاد التونسية من خلال هذا المنحنى على الفترة الممتدة بين 1966 و2024 وقد تحقّقت زيادات عشرية بين 900 ألف نسمة و1.5 مليون نسمة باستثناء العشرية الأخيرة للقرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين (1994- 2004) حيث كانت الزيادة بحوالي 2.1 مليون نسمة. إن المجتمع التونسي كان في تلك الفترة في قمة فتوته مما أثّر على ارتفاع عدد الزيجات إلا أنّه تمّ التّحكّم في عدد الأطفال الذين يتمّ انجابهم بين طفلين و3 أطفال. كما نلاحظ تعاقب عشرية فيها زيادة هامة وأخرى فيها زيادة محدودة وهو ما يشير إلى رغبة التونسيين في التحكم في ازديادهم السكاني.
2. تراجع متواصل للنمو الطبيعي:
انخفضت نسبة النمو الطبيعي في تونس من 3.01 % سنة 1966 إلى 1.1 % سنة 2005 وقد تم الحفاظ على هذا المعدل في الفترات الموالية نتيجة تراجع معدل الخصوبة إلى حوالي 2.2 طفل بين 2015 و2020 بعد أن كان يبلغ 7.1 طفل سنة 1966. لقد ساعدت عدة عوامل على تراجع نسبة الولادات أبرزها ارتفاع نسبة التمدرس لدى الفتيات ودخول المرأة سوق الشغل ولجوء الزوجين تلقائيا إلى تنظيم الانجاب فتراجعت نسبة الولادات كثيرا بين 1966 و2020 فبعد أن كانت 45.1 ‰ أصبحت منذ بداية القرن الواحد والعشرين تقل عن 20 ‰ (17 ‰ سنة 2005) وكان لانتشار الخدمات الصحية وتحسن مستوى العيش أثر مباشر على تراجع نسبة الوفيات من 15 ‰ سنة 1966 إلى 6 ‰ منذ بداية القرن الواحد والعشرين.
3. الانعكاسات الديمغرافية لتراجع النمو الطبيعي:
- أول انعكاس ديمغرافي هو تراجع نسبة الأطفال في المجتمع من 46.5 % سنة 1966 إلى 26.7 % سنة 2004 و25.3 % سنة 2020 مما قلص قاعدة هرم الأعمار مثلما تشير إلى ذلك توقعات سنة 2024 وفي المقابل ساهم تحسن مستوى العيش وتوفر الخدمات الصحية في ارتفاع أمل الحياة إلى 76 سنة في 2020 وهو ما يعني ارتفاعا متواصلا في نسبة المسنين الذين تجاوزوا 65 سنة من 5.5 % سنة 1966 إلى 9.3 % سنة 2004 وهي نسبة مرشحة لمزيد الارتفاع ولها أثر مباشر على قمة هرم الأعمار التي أصبحت أعرض من الفترات السابقة.
- ومقابل تراجع نسبة إعالة الأطفال وجه المجتمع التونسي اهتمامه نحو إعالة المسننين مما أثقل كاهل الصناديق الاجتماعية التي أصبحت تبحث عن موارد إضافية مكمّلة للأقساط التي يدفعها النشيطون من السكان.
رغم هذه الانعكاسات فإن المجتمع التونسي لا يزال فتيا ولا يجد في النمو الاقتصادي للبلاد ما يمكنه من الحصول على فرص التشغيل الكافية مما يضطر العديد من الشباب للبحث عنها خارج الوطن بطرق شرعية مثل أصحاب الشهادات العليا أو غير شرعية مثل بقية العاطلين عن العمل.
إن عدد سكان البلاد التونسية لم يشهد الانفجار الذي شهدته دول أخرى مثل السنيغال الذي تضاعف عدد سكانه أكثر من 5 مرات فقد تضاعف عدد سكان تونس أقل من 3 مرات في نفس الفترة مما يشير إلى وعي التونسيين بالارتباط العضوي بين الازدياد السكاني والنمو الاقتصادي. فهل يتوصّل التونسيون إلى سياسة اقتصادية تمكنهم من ايجاد حلول للمشاكل الاجتماعية الديمغرافية؟