بحث حول: ابن خلدون
صورة لابن خلدون على طابع بريدي
ولد عبد الرّحمان ابن خَلْدُون في مدينة تونس سنة 732هـ الموافق لـ 1332م في فترة حكم الدّولة الحفصيّة، ونشأ في أسرة علم وأدب وقد هاجرت عائلته من الأندلس(اشبيلية) إلى تونس في منتصف القرن السّابع الهجري وتقلّد أجداده مناصب سياسيّة ودينيّة مهمّة في كلّ من الأندلس وتونس وكانوا أصحاب جاه ونفوذ، وتعقّب ابن خلدون نسبه وذكر أنّه من أحفاد الصّحابيّ "وائل بن حجر" وأنّ أجداده القدامى من حضرموت في اليمن.
مسجد القبّة الذي درس فيه ابن خلدون في تونس
حفظ ابن خلدون القرآن الكريم منذ نعومة أظفاره في مسجد القبّة، وبعد تخرّجه من جامع الزيتونة، رحل إلى مدينة بسكرة ثمّ إلى فاس حيث شغل منصبا في المجلس العلميّ لحاكم المغرب ثمّ انتقل إلى غرناطة ومنها إلى اشبيلية وبعدها عاد إلى المغرب العربيّ فنزل في مدينة تيارت (الجزائر حاليّا) فأقام ابن خلدون بها أربع أعوام شرع خلالها في تأليف كتابه ذائع الصّيت " كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" ذو المجلدات السبع الذي كتبه على عدّة مراحل، وأنهى كتابة نسخته الأوليّة في تونس، ثمّ سافر إلى الاسكندريّة ومنها إلى القاهرة التي أمضي فيها بقيّة حياته حيث تقلّد فيها منصب قاض واعتزل ابن خلدون النّاس في آخر حياته وكتب مقدّمة كتابه التي تعرف بمقدّمة ابن خلدون والتي تمثّل ثلث "كتاب العبر".
يعتبر العلاّمة ابن خلدون مؤسّس علم الاجتماع، وقد وضع نظريّات حول العمران البشري والأطوار التي تمرّ بها الدّول من مرحلة البناء إلى مرحلة السقوط. وقد قرأ ابن خلدون التّاريخ قراءة علميّة، واستنتج أنّ الظّواهر الإجتماعيّة مترابطة ارتباطا وثيقا فيما بينها، فكلّ ظاهرة لها سبب وهي سبب للظاهرة التي تأتي بعدها وقد فصّل ابن خلدون في كتابه كلّ تلك الظواهر، السّكّانيّة والاجتماعية والسّياسيّة والاقتصادية والثّقافيّة، مبيّنا الأسباب والنّتائج وقد استهلّ حديثه بالتأكيد على أنّ الإنسان لا يستطيع العيش بمنأى عن بني جنسه حيث يوضّح ابن خلدون في كتابه قائلا:" أن الاجتماع الإنساني ضروري فالإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية. وهو معنى العمران."
قاد علم الإجتماع ابن خلدون لوضع أسس علم الاقتصاد الحديث، فقد درس أساليب الإنتاج التي ظهرت في المجتمعات البشريّة والتي ساهمت في تطوّرها من البداوة إلى الحضارة أي من الاقتصار على تربية الماشية والزراعة إلى الصّناعة والتّجارة. ويرى ابن خلدون أنّ الصّناعة هي ركيزة الازدهار الحضاري.
عُرف ابن خلدون بالذّكاء والحكمة، وقد لعب دور الدّيبلوماسيّ الذي يتوسّط بين الدّول لحلّ النّزاعات في أكثر من مرّة، فقد استعان به السّلطان "محمّد بن الأحمر" حاكم غرناطة وأرسله سفيرا إلى أمير قشتالة ليعقد صلحا بينهما فقد كان وزيره "لسان الدّين ابن الخطيب" صديقا مقرّبا من ابن خلدون. كما طلب منه أهل دمشق يد العون لطلب الأمان من حاكم المغول الطّاغي "تيمورلنك" وقد وصف ابن خلدون شخصيّته المتغطرسة ووحشيّته في التّعامل مع المدن التي يدخلها.
توفّي عبد الرّحمان ابن خلدون سنة 808هـ الموافق لـ 1406م في القاهرة تاركا أثرا لا يزال يدرّس في الأوساط الجامعيّة إلى يومنا هذا وقد قال فيه البريطاني "أرنولد توينبي" وهو من أشهر المؤرخين في القرن العشرين:" ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتّاريخ هي بدون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم."